
تُعد مرحلة ما بعد الشهادة الإعدادية من أكثر المراحل حساسية في حياة الطلاب وأسرهم، حيث تفتح أبوابًا متعددة من الفرص والمسارات، بين الثانوية العامة وما يرتبط بها من مؤهلات جامعية، وبين المدارس الفنية والتخصصية التي تؤهل الطلاب مباشرة لسوق العمل، ولأن هذا القرار يشكل نقطة تحول في المستقبل المهني والتعليمي، أجرينا استطلاعًا للرأي شمل مجموعة من أولياء الأمور والطلاب الحاصلين على الشهادة الإعدادية لهذا العام، لنرصد توجهاتهم، دوافعهم، ومخاوفهم، فهل ما زالت الثانوية العامة هي الحلم الأكبر؟ أم أن البدائل كمدارس البترول، ومدارس وي، التمريض، والمدارس الفنية باتت تحظى بثقة متزايدة لدى الأسر المصرية؟
من يفضّلون الثانوية العامة
بسؤال الاستاذة ليلى عبد الرحمن (42 عامًا – معلمة لغة عربية) قالت: أعمل في التدريس منذ أكثر من 18 عامًا، وخلال هذه السنوات لاحظت أن الثانوية العامة رغم صعوبتها ما زالت تحتفظ بثقلها في المجتمع، وتُعد بوابة رئيسية للتعليم الجامعي، ابني كريم حصل على 240 درجة هذا العام، وهو طالب مجتهد ومنضبط، نحن كأسرة نرى أن مواصلة التعليم حتى الجامعة ضرورية لبناء مستقبل أكاديمي قوي، حتى إن كان الطريق طويلًا ومليئًا بالتحديات، لا أرفض البدائل، ولكنني أخشى أن تضيق الأفق أمامه وتجعله محصورًا في مسار مهني لا يمكن تغييره لاحقًا.
وأضاف الطالب أحمد سامي (15 عامًا – طالب حاصل على الشهادة الإعدادية) قائلًا: منذ أن كنت صغيرًا، وأنا أحلم بدراسة الهندسة، أحب الفيزياء والرياضيات، وأشعر أنني أستمتع عندما أفهم النظريات وأحل المسائل، مجموعي 247 درجة، وكنت مصممًا على دخول الثانوية العامة، لأني أرى فيها الطريق الذي يمكن أن أُحقق فيه حلمي، سمعت عن مدارس البترول والتكنولوجيا، لكنها تبدو لي مقيدة نوعًا ما، وتوجه الطالب من البداية نحو مهنة دون أن تتيح له الفرصة لاختيار تخصصه لاحقًا.
أما هشام عبد المنعم (44 عامًا – موظف تأمين)
فقال: ابنتي منى أنهت الشهادة الإعدادية مؤخرًا، وكانت تميل للالتحاق بمدرسة التمريض، صراحةً، تحمّست في البداية للفكرة، لكنني عدت وفكرت من زاوية أخرى، هي لا تزال صغيرة، وربما رغبتها في دراسة التمريض مؤقتة لو التحقت بالثانوية العامة، فسيكون أمامها خيارات متعددة: الطب، الصيدلة، العلوم، أو غيرها أما البدائل المهنية، فهي جيدة لكن تقيد الطالب بمسار معين، لذلك اخترنا أن تخوض تجربة الثانوية العامة.
من يميلون نحو البدائل الفنية أو التخصصية
وبسؤال الطالبة ياسمين فتحي (15 عامًا – طالبة حاصلة على الشهادة الإعدادية) فتقول: أحببت المجال الطبي منذ طفولتي، وتعلّقت بفكرة العمل في مهنة تُساعد الناس، عندما علمت بوجود مدرسة تمريض قريبة من منطقتنا، بدأت أبحث عنها، أعجبتني فكرة التدريب العملي والتأهيل المباشر للعمل، نحن من أسرة بسيطة، والظروف لا تسمح بانتظار سنوات الجامعة الطويلة، المدرسة توفر سكنًا داخليًا وتدريبًا بمستشفيات معتمدة، وهذه بالنسبة لي فرصة عملية وعادلة لبناء مستقبلي.
وأضاف الاستاذ إسلام شوقي (45 عامًا – سائق نقل) قائلًا: ابني وليد حصل على 180 درجة فقط، وهو ليس من النوع الذي يستمتع بالدراسة النظرية أو الحفظ، هو يحب العمل بيده، ولديه ميل للأعمال التقنية، عندما عرفت بوجود مدرسة بترول قررنا معًا التقديم لها، هذا المجال مطلوب حاليًا، والوظائف فيه محترمة، أُفضل أن يتعلم تخصصًا مفيدًا ويبدأ حياته العملية مبكرًا بدل أن يضيع سنوات في دراسة جامعية قد لا يستفيد منها.
أما هدير مصطفى (15 عامًا – طالبة حاصلة علي الشهادة الإعدادية) فقالت: أنا مغرمة بالتكنولوجيا والتطبيقات الرقمية، أتابع أخبار التطور التقني وأحب البرمجة والتصميم، قدمت في مدرسة وي للتكنولوجيا التطبيقية لأنها تمنح تدريبًا عمليًا مع شركات الاتصالات، كما أنها توفر تأمينًا وظيفيًا بعد التخرج، أشعر أنني سأتفوق في هذا النوع من الدراسة، فهو يعكس ميولي، ويجعلني أنخرط في سوق العمل الحديث بثقة.
الحيرة بين ما يُتاح وما يُحب
وعبر محمد عبد الستار (16 عامًا – طالب حاصل على الشهادة الإعدادية) عن رأيه فقال: كنت أتمنى دخول الثانوية العامة، لكن مجموعي 185 درجة لا يكفي، فكرت في إعادة السنة، لكن أُسرتي ترى أن الأفضل أن أبدأ في مدرسة صناعية، أنا أحب أجهزة الكمبيوتر، لكنني لا أعرف إن كانت المدارس الفنية تقدم تخصصات رقمية حقيقية أم لا، أشعر بالحيرة، وأخشى أن أجد نفسي في تخصص لا أُحبه.
و أضافت الاستاذة هالة أبو العلا (40 عامًا – ربة منزل) قائلة: ابني مصطفى موهوب جدًا في الإلكترونيات، ويقوم بفك الأجهزة ويصلحها، حصل على 190 درجة، وهو لا يحب الحفظ أو المذاكرة التقليدية، فكرت في إلحاقه بثانوية صناعية متخصصة في الإلكترونيات، لكنني في الوقت نفسه قلقة من أن يكون التخصص ضيقًا جدًا، أو أن تعوقه شهادته لاحقًا لو أراد التطور علميًا، أفكر كل يوم، ولا أصل إلى قرار نهائي بعد.
غياب التوجيه المهني
وبطرح سؤال ماذا بعد الشهادة الاعدادية؟ قالت ريم أشرف (15 عامًا – طالبة): لم تخبرنا المدرسة أي شيء عن البدائل المتاحة بعد الإعدادية، لم يتم تنظيم أي ندوات أو لقاءات مع مسؤولي المدارس التخصصية، كل ما عرفته عن مدارس التكنولوجيا أو التمريض أو البترول، كان من الإنترنت أو صديقاتي، هذا النقص في التوجيه جعلني أضيع بعض الفرص بسبب نقص المعلومات وضيق الوقت.
اما استاذ صلاح غريب (50 عامًا – موظف حكومي) كان له رأي آخر حيث قال: الإعلام ما زال يُقدّم الثانوية العامة على أنها السبيل الوحيد للنجاح، مع أن الواقع تغيّر، خريجو الجامعات في بعض التخصصات يظلون سنوات بلا عمل، بينما زملاؤهم من المدارس الفنية حصلوا على وظائف بشركات كبرى، ابنتي التحقت بمدرسة طبية، ولم أكن أعلم عنها إلا من خلال تجربة أحد الجيران، للأسف، غياب التوعية هو أكبر مشكلة تواجهنا كأولياء أمور.