
لطالما كانت الدراما المصرية مرآة تعكس نبض الشارع وهموم المواطن، وصوتًا فنيًا يحمل رسائل اجتماعية وثقافية وإنسانية عميقة، من ليالي الحلمية إلى المال والبنون، ومن أوان الورد إلى الوسية، عاشت الدراما المصرية عصورًا من التألق والازدهار، لكنها تواجه اليوم تحديات جديدة في ظل التحولات الكبيرة في الذوق العام، والتغيرات السريعة في وسائل العرض والإنتاج، بدأت تظهر أصوات تطالب بإعادة النظر في محتوى الدراما، وتفعيل دورها التوعوي، خاصة مع تصاعد الجدل حول بعض الأعمال التي يرى كثيرون أنها تروج لسلوكيات سلبية وتبتعد عن القيم الأصيلة للمجتمع، لذا كان يجب عليها طرح هذا السؤال: إلى أين تتجه الدراما المصرية؟ وهل لا تزال قادرة على أداء دورها التنويري؟
كيف يرى المجتمع التحوّلات في الدراما المصرية؟
وكانت البداية مع الاستاذة نادية يوسف، 62 عامًا، مدرس متقاعد حيث قالت أن الدراما المصرية كانت تحمل طعمًا مميزًا، تعلمنا منها دروسًا في الحياة، حيث كانت تعكس واقعنا وتُطرح بأسلوب تربوي، اليوم أشعر أنها تركز على الإثارة على حساب القيمة.
وأضاف مازن علي، 25 عامًا، طالب جامعي:
انه يستمتع بمشاهدة الأعمال الحديثة، لكن أحيانًا أشعر أن التركيز على العنف والعلاقات المضطربة يجعلني أتساءل عن تأثيرها على الشباب.
اما استاذة هبة منصور، 34 عامًا، كاتبة ومحللة اجتماعية فتقول أن الأعمال الدرامية المعاصرة نجحت تجاريًا لكنها خسرت جوهرها التربوي، نحن بحاجة إلى محتوى يعيد التوازن بين الترفيه والقيم.
هل تروج بعض الأعمال لسلوكيات سلبية؟
مع التحوّل الملحوظ في طبيعة الدراما الحديثة، أصبحت الانتقادات تطال بعض المسلسلات بسبب اعتمادها على مشاهد العنف وتجسيد نماذج سلبية، وهذا ما يدعو إلى التفكير في تأثير هذه الأعمال على الأجيال.
ففي هذا الاطار اجاب الاستاذ أحمد حسن، 45 عامًا، محامي، انه يعتقد أن الدراما الحالية تفتقر إلى تصنيف عمري صارم، ويشعر بالقلق على أبنائه عندما يشاهدون أعمالًا تُظهر الجرائم وكأنها أحداث عادية.
واضافت الدكتورة سمية عبد الرحمن، 29 عامًا، طبيبة نفسية بان لا يمكننا إنكار تأثير الدراما على السلوكيات، خاصة عند الشباب، ففي مجال عملها تري كثير من الشباب اللذين يتشبهون بابطال الافلام والمسلسلات، ويأخذونهم قدوة في حياتهم، الرسائل السلبية قد تخلق ثقافة تتقبل العنف دون وعي.
اما يوسف أمين، 54 عامًا، ويعمل مخرج مسرحي فيقول أن الرقابة ضرورية ولكنها يجب أن تكون ذكية، الفن يحتاج إلى مساحة للتعبير عن الحقائق، لكن في إطار يحافظ على توازن المجتمع.
وبسؤال آية مصطفى، 22 عامًا، طالبة جامعية وتشارك في مسرح الجامعة فقالت أن هناك جدل دائم حول دور الرقابة في توجيه الأعمال الفنية، البعض يطالب بتشجيع الفنانين على تقديم أعمال تعكس الواقع دون التخلي عن القيم، فأنها تري أن الحل يكمن في دعم أعمال مبتكرة تحمل قيمة فنية وتربوية، بدلًا من الاكتفاء بفرض القيود.
دور الدولة والمؤسسات في النهوض بالدراما
واضاف الاستاذ خالد رشدي، 41 عامًا، موظف حكومي في احد البنوك الحكومية فيقول أن محاولات الحكومة المصرية في السنوات الأخيرة لتوجيه الإنتاج الفني نحو محتوى يخدم القيم المجتمعية، حيث تقوم بتنظيم المؤتمرات الوطنية للنقاش حول مستقبل الدراما، فهي خطوة إيجابية لكنها تحتاج إلى خطوات تنفيذية جادة.
اما الاستاذة لبنى إبراهيم، 36 عامًا، ناقدة فنية كان لها رأي آخر حيث اكدت علي دور الدولة، من خلال أن تكون شريكًا في دعم المحتوى الفني من افلام ومسلسلات تعكس ثقافة المجتمع المصري الحقيقي، الدراما ليست مجرد أداة ترفيهية بل هي وسيلة قوية لتشكيل وعي المجتمع، العودة إلى تقديم محتوى أصيل ومتوازن يظل الأمل الأكبر لصناعة فنية تنير العقول وتلهم الأجيال القادمة.