مصر.. بين الإرهاب والحق المر
الإرهاب لا يولد سوى الإرهاب
اليوم أتممت قراءة كتاب “مصر بين الدولة الإسلامية والدولة العلمانية”، وهو النص الكامل لتلك المناظرة الشهيرة.
التي حدثت بين العالمين والمفكرين المصريين الدكتور فرج فودة “شهيد الكلمة، والدكتور محمد الغزالي، في أروقة معرض الكتاب عام ١٩٩٢.
لمناقشة الأفكار الإسلامية والعلمانية بين المتناظرين حول مفهوم الدولة الدينية واللادينية.
الإسلام والعلمانية..
ومن ثم احتوت أفكار الجانب الإسلامي على المطالبة بحكومة نصفها وحي من الله والنصف الآخر للبحث عن المصلحة.
واحتوت أفكار الجانب العلماني على أن الدولة كيان سياسي وإقتصادي يحتاج لبرنامج تفصيلي واضح تسير عليه.
وقد أثار ذلك الجدل لدي تساؤلات وأفكار عديدة تجاه الاثنين، تلك التساؤلات لم أستطع أن أحدد لها إجابة.
نتج عنها أن اتجهت لقراءة بعض من أفكار كل منهم من خلال كتاباتهم وأعمالهم.
ورغم أنه ليس من عادتي قراءة أكثر من كتاب فكري في آن واحد إلا أن الأمر هذه المرة اختلف.
فقد رأيت أنه سيكون من غير المنصف أن أقرأ لواحد منهم دون الآخر، خاصة بعد معرفة أفكارهم الضدية.
وقبل الحديث عن أي مما جال بذهني من أفكار أو تساؤلات، لابد في البداية عرض أفكار كل منهم وأفكار ما قرأته لهم من كتب.
عن فرج فودة..
دكتور فرج فودة هو عالم ومفكر مصري من المفكرين العلمانيين، حصل على الدكتوراه في الفلسفة، وشغل العديد من المناصب.
له العديد من الكتب والمؤلفات المختصة بالدعوة إلى العلمانية وفصل الدولة عن الدين مثل:
حول العلمانية والحقيقة الغائبة وقبل السقوط والإرهاب، وذلك الأخير هو أحد محاور حديث اليوم، وعدة مقالات.
عن محمد الغزالي..
هو مفكر مصري من المفكرين الإسلاميين، تولى عدة مناصب كوكيل لوزارة الأوقاف لشئون الدعوة الإسلامية.
له العديد من المؤلفات والكتب الإسلامية، مثل الإسلام والاستبداد السياسي، مشكلات في طريق الدعوة الإسلامية.
وأحقاد وأطماع وكيف نفهم الإسلام، إضافة إلى عدد من كتب المقالات كالحق المر وهو محور الحديث الآخر.
أولا: الإرهاب..
هو كتاب فكري للعالم الدكتور فرج فودة، وهو كتاب ذو حس سياسي عالي، يناقش قضية الإرهاب.
التي مارستها الجماعات الإرهابية ويحللها بوثائق من الأحداث المتواجدة حولها، خلال فترة الثمانينات، موضحا ما هو الإرهاب وما علاقته بالشائعات.
وما توصلت إليه الجماعات الإرهابية من تنظيم خبراء في إعداد الشائعات، يأتي شأنها شأن الكثير من السلع الإستهلاكية.
متحدثا عن أن لقضية الإرهاب أضلاعا ثلاثة، أولها الإرهاب نفسه، وثانيها سلطة الدولة وهيبتها، وثالثها موقف الشعب واقتناعه أمام الصراع الذي يدور بين الطرفين أو الضلعين الأولين.
كما تحدث عن تاريخ استخدام السلاح لدى جماعات الإخوان، وعدم وجود علاقة تربط بين التعذيب أثناء حكم عبدالناصر وبين الإرهاب.
وأن نشأة الإرهاب مرتبطة بالتنظيم السري وليس بالمناخ السياسي السائد، ثم وضع بعض الحلول لمواجهة تلك القضية.
هناك حلول على المدى القصير وتتمثل في الديمقراطية وسيادة القانون والإعلام.
وحلول أخرى على المدى الطويل والتي عرضها بشكل مختصر في التعليم والإقتصاد والوحدة الوطنية.
عارضا وموضحا مدى إعطاء تلك الحلول من منطلق العقل وليس الوجدان.
الحق المر..
مجموعة من المقالات والإنتقادات الفكرية الإسلامية بسيطة الأسلوب، يتحسر من خلالها الكاتب على أحوال الإسلام والمسلمين.
تلك الأحوال التي قسمها إلى جزأين يناقش من خلالهما العديد من القضايا التي يواجهها الإسلام والمسلمين.
ويرد على الإدعاءات والإتهامات الموجهة إليهم من قبل العلمانيين والمتشددين، خاصة القضايا ذات الطابع السياسي، وقضايا المرأة.
التي خصص لها عدة خواطر متناثرة، وكل فكرة ما هي إلا رد على مشكلة تعرض لها المجتمع الإسلامي.
سواء من الجانب الديني كقضايا (التوحيد – التطرف – العلمانية- المقارنة بين الأديان الأخرى) أو من الجانب الإجتماعي كقضايا (المرأة- الديمقراطية).
أو من الجانب السياسي كالخوض في قضية العرب وفلسطين، والمسلمون في تركيا وعداء روسيا، وهو الجانب الغالب.
إضافة لبعض التأملات التي يتحسر فيها على أحوال العرب المسلمون وصورتهم أمام الغرب.
تعقيب..
والآن بعد الانتهاء من قراءة وعرض أفكار الثلاثة كتب، لم يبق لدي سوى تعقيب بسيط هو أن
البعض قد يرى أن الفكر العلماني بالكتب تلك يؤثر بالسلب على المجتمع من خلال ما يناقشه من قضايا فكرية عصرية.
لكن المتأمل لحال المجتمع سيرى أننا بالفعل نعيش وسط دوامة الشائعات وداخل الخطاب الديني الأحادي النظرة، وإثارة العواطف الدينية.
وأن الفكر الإسلامي المقدم من خلال هذه الكتب ممزوج بنظرية المؤامرة، ومليء بالمغالطات المنطقية في أغلب أفكاره.
لكن الحق يقال أنه قد نصف المرأة في جوانب كثيرة، ورسمها بصورة أكثر من جيدة.
ختام..
لدي كذلك تعليق نهائي بسيط على كتاب المناظرة المكتوبة “مصر بين الدولة الإسلامية والدولة العلمانية”.
في البداية عرض الكتاب لمحة عن كل المتناظرين، ثم عرض ما حدث بالمناظرة الفعلية كما هو تماما.
وما يثير هو التعقيب الذي أورده الكاتب في النهاية من تعليقات بعض العلماء والمفكرين حول المناظرة.
فالكاتب لم يورد في تلك التعليقات سوى تعليقات العلماء والمفكرين من الجانب الإسلامي فقط، ولم يتطرق إلى تعقيب الجانب العلماني.