الباليرينا المصرية ماجدة صالح للمحايد: “مابنساش مصر أبدًا”

الباليرينا المصرية ماجدة صالح للمحايد: “مابنساش مصر أبدًا”

عشقها لبلدها لم يفارق وجدانها لحظة، سنوات الغربة لم تؤثر على وجدانها، تحديات وصراعات لم يغيرا من انتمائها وولائها، بل زادوها عشقًا لها.

الباليرينا المصرية ماجدة صالح.. التي بذكر اسمها نتذكر تاريخ حقبة ثقافية نشطة بأكملها، والآن نحن بصدد تاريخ أول باليرينا مصرية.

ماجدة صالح

الباليرينا المصرية ماجدة صالح

من أول رائدات فن الباليه بمصر، وأول عمداء المعهد العالي للباليه من أبنائه، والرئيس المؤسس لدار الأوبرا المصرية الجديدة (المركز الثقافي القومي)، وعنوان جيل كامل لأكاديمية الفنون.

الباليرينا المصرية ماجدة صالح التي رقصت مع زميلها عبد المنعم كامل بوصفها فنانة ضيفة في اثنتين من أرقى فرق الباليه في العالم، الأولى فرقة باليه البولشوي في موسكو.

والثانية فرقة باليه كيروف في لينينجراد فقامت ببطولة باليه “جيزيل” وباليه “دون كيشوت” من الكلاسيكيات العالمية.

الفراشة المصرية

وحاليًا تعيش الفراشة المصرية مع زوجها عالم المصريات جاك جوزيفسون في نيويورك، وبنبرة جميلة  سمحت لنا هذه الفراشة أن تتذكر معنا لقطات من حياتها.

منذ بدايتها مع تعلم الباليه وكيفية التحاقها به، مرورًا بذكرياتها مع علاّمة التحطيب المصري الريس حسن الشبلاوي.

وأيضا فاجعة حريق دار الأوبرا، حتى سفرها أمريكا وزواجها وصولا لطبيعة حياتها الآن.

بداية.. كيف جاءتك فكرة تعلم الباليه؟

الفكرة جاءت لوالدتي وليس لي.. قديما قبل تكوُّن فرقة الباليه كانت بمصر استوديوهات خاصة لتعليم الباليه للهاويات الصغيرات بغرض اكتساب اللياقة والرشاقة.

كانت تقوم بالتدريس بها مدرسات معظمهن أجنبيات يقمن بمصر، وكانت الجالية الأجنبية المقيمة المستقرة بمصر عديدة ومنتشرة في أنحاء البلاد.

وتذكر: “أما أنا فالمدرسة الإنجليزية الأولى لي كانت مس بينز-هيويت، ومن هؤلاء المدرسات ماجدة سامي مدرسة زميلتي علية عبد الرازق.

أما زميلتي مايا سليم فكانت مدرستها سونيا إيڤانوفا وزميلتي ديانا حقاق كانت تدرس مع ميخائيل الضبع وهو أخ الموسيقار والمؤلف الموسيقي المصري- الأمريكي العالمي حليم الضبع”.

الباليرينا المصرية في عامها السادس
وتتحدث الباليرينا المصرية ماجدة صالح

وعن بدايتي كانت من خلال جارة بريطانية لنا، كانت ابنتها في مثل سني كانت تدعى ليندا، وكنا أصدقاء جدا.

فحينما أخبرت والدتها والدتي أنها ستسجل ابنتها في دروس الباليه بمصر الجديدة، ألحقتني والدتي معها ومن هنا كانت البداية وكان عمري وقتها حوالي ست أو سبع سنوات.

وتكمل قائلة:

بعد تعيين والدي الدكتور أحمد عبد الغفار صالح رائد الزراعيين في مصر عميدًا لكلية زراعة بجامعة الإسكندرية انتقلت العائلة هناك.

كان بالمدينة “كونسرفتوار” معهد خاص للموسيقى كان به قسم خاص للباليه يقمن بالتدريس به مدرسات من الأكاديمية الملكية البريطانية للرقص.

فدرست مع مس جويس ماكي ثم مس سونيا تشيمبرلين.

وعن احترافها الباليه تقول:

أما بداية احترافي فن البالية -كان ذلك عند افتتاح مدرسة الباليه القومية عام ١٩٥٨ علي يد الخبير الروسي السوفييتي ألكسي جوكوف الذي جاءنا من أكاديمية البولشوي للباليه الشهيرة بموسكو.

تصادف أن قابلت السيد أيجور مويسييف، المؤسس والمدير الفني و المخرج لفرقة مويسييف العالمية للرقص الشعبي، التي كانت بجولة فنية لمصر.

وشهدني السيد مويسييف في حصة الباليه بكونسرفتوار الاسكندرية فنصحني بالاشتراك في اختبارات القبول المقبلة للمدرسة الجديدة.

البداية الحقيقية

وقتها كان تم تعيين والدي عميدا لكلية الزراعة بجامعة عين شمس وعادت الاسرة الي القاهرة.

ليتم اختياري مع 35 طفلا وطفلة، الرعيل الأول للمدرسة ثم المعهد ونواة أول فرقة باليه قومية بمصر خرجت للوجود عام ١٩٦٦.

بتقديم باليه من أربع فصول هو باليه “نافورة بختشي سراي” الذي حضر عرضه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والسيدة حرمه في الليلة التالية للافتتاح.

وكان ذلك بدعوة من مؤسس وزارة الثقافة الوزير العظيم الدكتور ثروت عكاشة رحمه الله.

وسام الاستحقاق

وبعد مشاهدته العرض منح حينها الرئيس عبد الناصر مجموعة الراقصين والراقصات الأوائل أوسمة ونوط الاستحقاق، ليكون بذلك أول تكريم للدولة لراقصين في تاريخ مصر.

لكن قبل ذلك عام ١٩٥٩ في نهاية عامنا الدراسي الأول كنت قد أديت أنا وزملائي على خشبة مسرح دار الأوبرا حفلة مدرسية، أعدها معلمنا ومؤسس المدرسة أليكسي جوكوف.

وتم فيها اختياري لأداء السولو (رقصة منفردة) الوحيد في تلك الأمسية، وقد كان ذلك الحدث ناجحا ومميزا للغاية.

انتقلت مدرسة الباليه عام ١٩٦٣ إلى مبنى مخصص لدراسة فن الباليه الكلاسيكي في حرم أكاديمية الفنون الجديد في الجيزة.

الباليرينا المصرية في إحدى العروض مع زميلها يحيى عبد التواب

كيف جاء رد فعل والديك حيال ذلك الأمر؟

مع التطور الحاصل بالمعهد وتقديمه تعليما منتظما وفقًا لمنهج وزارة التربية والتعليم لجميع الطلاب الذين بدءوا التدريب في سن التاسعة.

وافتتاح الدراسة في المعهد العالي للباليه، التي تمنح درجة البكالوريوس في فن الباليه، بدأت أحدث والداي عن التركيز على مهنتي في الرقص.

لكن لم يقبل والداي هذا، لذلك توصلنا إلى حل وسط، يسمح لي بمتابعة هذا الشغف المسيطر، بشرط ألا يؤثر ذلك سلبا على دراستي في التعليم العام والجامعي.

شروط الاستمرار بالباليه

كان الشرط ألا أستمر في الباليه دون استكمال التعليم في كل مراحله، وبالفعل حصلت على بكالوريوس من المعهد العالي للباليه عام ١٩٦٦.

حصلت أيضا على ليسانس الآداب بقسم اللغة إنجليزية من جامعة عين شمس عام ١٩٦٨، وكنت الأولى على الدفعتين في المجالين.

وكان من المفترض تعييني معيدة في قسم اللغة الإنجليزية بالجامعة، لكني صدمت رئيس جامعة عين شمس برفضي التعيين وذلك حتى أتفرغ لتكريس نفسي للباليه.

عن توقعات والدها للنهاية..

وقد حذرني والدي من متابعة الرقص، أولا بصفته والدا وأكاديميا مرموقا، سيتعرض لمخاطرة اجتماعيا بالسماح لابنته باحتراف الرقص، وهي مهنة توسم العار في مجتمعنا المحافظ.

ثم لخوفه عليَّ لإدراكه أن الرقص، مثل الرياضة، مهنة عالية الخطورة، وقد تؤدي الإصابة إلى إنهاء المسار المهني بشكل مفاجئ ونهائي.

كيف كان رد فعلك؟

وتضيف: “لكني استمررت بمجال الباليه، ليأتي عام ١٩٦٣ ليصبح نقطة تحول حقيقية بالنسبة لي.

وفي نهاية حفل هذا العام الدراسي الخامس تم تكليفي بأداء ثنائي “العمياء” مع زميلي يحيى عبد التواب، لتصبح هذه الرقصة رقصتنا المميزة التي لم يؤدها غيرنا حتى الآن.

ثانيا والأهم أعلنت وزارة الثقافة السوفييتية عن منحة دراسية لخمس تلاميذ من معهد الباليه المصري للدراسة في أكاديمية البولشوي الأسطورية للباليه بموسكو.

الباليرينا المصرية مع زميلاتها ودود فيظي ومايا سليم وديانا حقاق وعليه عبد الرازق
عن فرقة البولشوي

ليتم اختياري مع أربع فتيات محظوظات في صفي، وهم زميلاتي ديانا حقاق، ومايا سليم، وودود فيظي، وعلية عبد الرازق.

وقد كنا أول فتيات يتم إرسالهن بمفردهن من مصر للدراسة في الاتحاد السوفييتي، وهو ما تسبب في الكثير من القلق في المكتب الثقافي المصري حينها.

حتى تخرجنا في عام ١٩٦٥ وحصلنا على الدبلوم وعدنا إلى مصر تحت اسم خماسي البولشوي، رائدات الباليه المصري.

كيف جاءت ردود الفعل بعد عودتكن إلى مصر؟ وكيف كرمكن الرئيس جمال عبد الناصر؟

الرئيس جمال عبد الناصر وحرمه ودكتور ثروت عكاشة خلال مشاهدة العرض

تزامنت عودتنا مع عودة الدكتور ثروت عكاشة وزيرا للثقافة لفترة ثانية، ومن ثم شرع الباليه المصري في مشروع فريد وصعب، وهو تقديم عرض باليه كامل على مسرح خشبة دار الأوبرا.

وكان العرض من أداء مصريين لأول مرة، وقد ضمن قدرات الراقصين وجميعهم لا زالوا طلبة بالمعهد باستثناء المحترفات الخمس اللائي ظهرن حديثًا.

وكان الباليه هو “نافورة باختشي سراي” سابق الذكر- الحكاية المأساوية لخان تتار القرم خان جيراي، وقد تضمنت التحضيرات عدة أشهر من التدريبات المكثفة.

بدأ العرض الأول في ٤ ديسمبر ١٩٦٦، وقد فاق كل توقعاتنا من نجاح، فقد هتف لنا الجمهور بقوة، وتحمست الصحافة للفكرة.

أما عن تكريم الرئيس..

وفي الكواليس بعد العرض الأول أخبرنا الدكتور ثروت عكاشة عن دعوته للرئيس عبد الناصر وحرمه، كما ذكرت، والذي شرفت بأداء أمامهم دور ماريا.

وتقول: “يا له من شيء لا ينسى مولد الباليه المصري ومنح الرئيس للشخصيات الرئيسية شرفًا غير مسبوق!”.

حدثينا أكثر عن تجربتك الأولى بأسوان؟

جاء خبر إرسالنا إلى أسوان في يناير ١٩٦٧، للمشاركة في احتفالات استكمال مرحلة من مراحل بناء السد العالي، ونحن ما زلنا في فرحة الإنجاز الكبير بتقديم عرض الباليه الأول.

لكن ما دار في بالنا حينها هو كيف يمكن أن يستقبلنا الناس في أسوان ولم يسبق لهم أن رأوا باليه؟!، لكن لقينا نجاحا باهرا واستقبلنا جمهورنا بحماس بالغ.

بعد ذلك مرت مصر بأكملها بفترة صعبة حيث كانت النكسة، ومن بعدها حرب الاستنزاف، ليكون المستقبل قاتم أمام الجميع.

عن دكتور ثروت عكاشة

لكن دكتور ثروت عكاشة اعتبر وزارته هي المتنفس الوحيد للشعب، لذلك لم يلغي أي تعهد أو مخطط، بما في ذلك حملته العالمية لإنقاذ آثار النوبة.

بعد اجتياز هذه الفترة واصلنا القيام بدورنا في النهوض القومي بحماس، كان المخرجون السوفييت ينجزون باليها سنويا جديدا.

وقد كلفت بالأدوار الرئيسية في هذه الباليهات، جيزيل، كسارة البندق، ودون جوان وباكيتا ودفنيس وكلويه الذي أعده لنا المخرج العالمي سيرج ليفار، ودون كيشوت.

عن الباليه

وكان دور كيتري في هذا الباليه آخر دور لي مع فرقة باليه القاهرة فاحترقت دار الاوبرا يوم ٢٨ أكتوبر ١٩٧١، ومن ثم انطلقت في الجولة السوفيتية في ديسمبر١٩٧١.

وصنعت أنا وزميلي عبد المنعم كامل ما يضاف إلى تاريخ الباليه العالمي ونلنا أعلى تقدير يمكن لأي راقص باليه أن يحلم به.

فقد رقصنا كضيفين على رأس اثنتين من أرقى فرق الباليه في العالم، الأولى فرقة باليه البولشوي في موسكو، والثانية فرقة باليه كيروف في لينينجراد.

وبفخر تتحدث: يمكنني أن أدعي بفخر أن الأداء الأخير في مسيرتي كان دور “جيزيل” في مسرح البولشوي مع فرقة باليه البولشوي”.

وماذا عن دور الإعلام ؟

وقد أشادت هذه الفراشة بدور الصحافة بشكل كبير قائلة:” إن انتشار الوعي للباليه وتعريف الشعب به جاء من خلال اهتمام الإعلام بنا.

فقد ساهم في ذلك عدد من الصحفيين والإعلاميين بالجرائد والمجلات، مثل كمال الملاح وعزيز سيداروس وأنطوان جناوي ومصطفي أمين.

وغيرهم ممن ساهموا في تعميم فن الباليه على المصريين.

ولعب التليفزيون دورا حيويا حيث عرض برنامج فن الباليه الذي كانت تقدمه منى جبر أسبوعيا، ذلك البرنامج الذي كان يعد الانفراد الأول من نوعه.

الضربة القاضية

لكن جاءت الضربة القاضية لمصر والثقافة المصرية، فقد توفي الرئيس عبد الناصر وتم إنهاء فترة ولاية الدكتور عكاشة وزيرا للثقافة.

ثم حدثت الطامة الكبرى بحريق الأوبرا، ومن ثم كانت ضربة قاضية للحياة الثقافية بداخل مصر.

الباليرينا المصرية ماجدة صالح وزميلها عادل عمر عفيفي

كيف مارست حياتك بعد حريق الأوبرا؟

بعد أن أثبت أداء دور كيتري المرهق في “دون كيشوت” لثلاث عشرة ليلة متتالية، في موسم مايو ١٩٧١ أنه نقطة الانهيار.

كان وقتها الضغط علي هائلًا، وبدت مشاكل جسدية عويصة لا يمكن التغلب عليها.

كنت أحاول دائما أن أعبر عن شعوري بوجودي الحقيقي على المسرح، لكن قد حان وقت التخلي عن الرقص لأسعى لتحويل هذا الشغف إلى مسار آخر.

بالنسبة لي لم يكن هناك عودة إلى الوراء وإن كان في ذلك نهايتي، فنصحتني والدتي بالخيار الأكاديمي.

وقد كان هناك طلب متزايد بأن يكون الباليه المصري “مصريا”، بحثًا عن تجارب جديدة في التصميم والإخراج.

القرار الأصعب لديها

لذلك تقدمت بطلب للحصول على منحة لدراسة الرقص الحديث في الولايات المتحدة، قدمت طلبي إلى جمعية الأصدقاء الأمريكيين للشرق الأوسط.

فشاء القدر أن تصل منحة الولايات المتحدة في ذلك التوقيت، لأنحني منحنى كان لا يمكن التراجع عنه.

وبحركة واحدة تحولت حياتي من الشرق إلى الغرب، واتخذت الاتجاه الأكاديمي، لأبدأ حياتي من جديد كطالبة دراسات عليا.

ورغم احتضان الأساتذة والزملاء الامريكان بالنسبة لحياتي الطلابية وبالنسبة للرقص، أن البدايات كانت صعبة.

لكن سرعان ما تأقلمت، وحصلت على درجة الماجستير في عام ١٩٧٤، وكانت رسالتي بعنوان “استكشاف الثيمات المصرية في لغة الرقص الحديث”.

ولضمان مكاني في الأكاديمية حصلت علي الدكتوراه كخطوة أخيرة لازمة، وكان عنوان الرسالة “توثيق تقاليد الرقص الشعبي في جمهورية مصر العربية”.

والدتها
الباليرينا المصرية ماجدة صالح ووالدتها

بعد حصولك على الدكتوراه.. لماذا لم تستقرين بعدها في مصر؟

كانت حالة صحة والدتي هي التي حددت مسار مستقبلي، كنت أتولى رعايتها، وسرعان ما أصبح والداي المريضان مسؤوليتي.

ماذا عن تعيينك كأول عميد للمعهد العالي للباليه؟

عام ١٩٨٣، دعتني الدكتورة سمحة الخولي للعودة إلى الاكاديمية للمساعدة في إصلاح معهد الباليه.

فكانت الأكاديمية في حالة تدهور يرثي لها، ومن ثم تمت ترقيتي إلى منصب أستاذ بالمعهد وبعدها في منصب عميدة.

ورغم كوني أول خريج من المعهد يتولى هذا المنصب، لكن كانت هذه بداية أحلك فترة في حياتي.

ومع ذلك فقد لوحظ بالتحسن العام في المعهد، وحظي باهتمام إعلامي واسع.

لكن مع كثير من المعرقلات والمشاكل فقد تقدمت باستقالتي ولم أكن أدري إنه لزم تقديمها مسبقا وتمت الموافقة عليها علي الفور.

الباليرينا المصرية ماجدة صالح
الباليرينا المصرية ماجدة صالح مع والدها الدكتور أحمد عبد الغفار صالح

كيف تم تعيينك مديرا لدار الأوبرا؟

بعدها بقيت في المنزل لمدة ١٤ شهرا، أعتني بوالدي وذلك لمرضهما حتى ظهرت فرصة من العدم لم أكن أحلم بها.

وكانت مفاجأة عظيمة لي فقد تم اختياري مديرا لدار الأوبرا الجديدة بالقاهرة.

وأعتقد أنني قد أكون أول امرأة في تاريخ الأوبرا تترأس منصب مديرا لمسرح أوبرا وطني.

و لكن كان ضروريا من الناحية القانونية إعادتي إلى معهد الباليه، حتى يتسنى انتدابي إلى وزارة الثقافة.

قضيت هذه الفترة بالعمل على إثراء روح الثقافة وإحياء الأوبرا من جديد مركزة على تحقيق هذا الهدف، لكن نمى إلى علمي عن مشاكل تختمر لي.

وبالفعل وبعد أشهر من المجهود الجبار المستميت تم توقيع قرارا بتعيين الأستاذة رتيبة الحفني مديرا للأوبرا الجديدة وتعييني “مديرة فنية”.

وقد تسببت الأخبار في ضجة محلية و عالمية كبيرة، وقررت حينها أنني لن ألصق بي صفة المستقيلة.

ولمدة شهر وأنا أقوم بأداء مهماتي الجديدة، واكتشفتُ وقتها معنى أن أصبح لا أحد في لحظات.

حتى صفتي كمديرة فنية، تم حظرها في وسائل الإعلام، ليتم التخلص مني بتهمة ملفقة هي إعاقة مشروع وطني مهم.

بعدها أدركت أنه لم يعد هنالك متنفس للبقاء بمصر، سافرت أمريكا مرة أخرى والتقيت بزوجي عالم المصريات واستقررت معه.

الباليرينا المصرية ماجدة صالح
الباليرينا المصرية ماجدة صالح خلال إدارتها لدار الأوبرا المصرية وقت تأسيسها مع مهندس الاوبرا كويشيرو شيكيدا والاستاذ جون رودنبيك وزوجته اليزابث رودنبيك

ما هي اللحظة الأصعب في حياتك؟

خلال حياتي عشت مراحل صعبة جدا ومراحل أيضا رائعة.

لكن لحظة التوقف بالفعل كانت صعبة جدا بسبب حريق الأوبرا، وأيضا التوجه للاتجاه الأكاديمي اضطرارا مجبرا.

أيضا من أصعب اللحظات لي كانت نهاية عملي كرئيس للأوبرا.

لأنه كان شرف وتحدي كبير لي، لكن بالطبع النهاية كانت صعبة وبأسلوب غير مشرف بالمرة للوزارة ووزيرها.

فمن المفترض عند إنهاء عمل لأي شخص أن يكون بالشكل اللائق.

فكان من الممكن أن يقول الوزير أنني لست الشخص المناسب للمكان وتنتهي الحكاية، لكن ليس بتشميع مكتبي ومنعي من دخول الموقع.

وماذا عن الريس حسن الشبلاوي هل لازلت على تواصل معه ؟

الباليرينا المصرية ماجدة صالح
الباليرينا المصرية ماجدة صالح مع الريس حسن الشبلاوي

“كان على بالي إمبارح الاتصال به والاطمئنان عليه”.. بهذه العبارة بدأت الحديث عن الريس حسن.

وتابعت: ” نعم بالطبع لازلت على تواصل معه هو وزوجته، وحتى الآن تتم مكالمات بيننا ومع ابنه وزوجته”، فهذه الصلة ترجع لعام ١٩٧٦.

حيث كان ضمن مجموعة الفنانين الشعبيين الذين أتوا إلى الولايات المتحدة مع الفرقة، للعرض في الاحتفالات بالعيد ال٢٠٠ لأمريكا.

الجولة التي من خلالها عرفت الريس حسن ومدير الفرقة الفنان الكبير الأستاذ عبد الرحمن الشافعي.

فهذه كانت أول زيارة لمجموعة الآلات الشعبية التي كان يرأسها الشافعي، لتكون هذه أولى معرفتي به.

وهو رجل عظيم له خدمات جليلة في مجال الفنون الشعبية والمسرح وكانت هذه بالنسبة لي تجربة من أجمل تجارب حياتي.

أما عن الريس حسن..

بمناسبة السنة ال٢٠٠ للثورة الأمريكية نظمت الولايات المتحدة مهرجان ضخم داعين فيه حوالي ٣٤ دولة من ضمنهم مصر.

وقد وقع الاختيار على الأستاذ حليم الضبع باحثا يلف القرى ويختار مجموعة من الفنانين الشعبيين التلقائيين كان منهم الريس حسن.

خلال هذه الأثناء رشحني الأستاذ حليم الضبع لأكون مقدمة المجموعة المصرية وأشرح للمتفرجين ما يشاهدونه من رقص وغناء وموسيقى.

كان الريس حسن ضمن مجموعة التحطيب من سوهاج.

وكانت هذه أول معرفتي به والذي كان حينها شاب في العشرينات في بداية حياته الزوجية.

تحطيب
الريس حسن والريس محمود_ فرقة التحطيب المصرية بالولايات المتحدة

بعدها كنت على تواصل مع تلك المجموعة ونظمت لهم جولة في الولايات المتحدة وكندا من خلال شركة آي. سي. ام. آرتست سنة ١٩٨٠ شملت ٣٦ مدينة

كانت الفنون الشعبية المصرية ناجحة جدا وقتها، وقد أحبها الأمريكان بشكل كبير.

لدرجة أنني قابلت أشخاص بعد ٣٠ عام من هذا الاحتفال وحكوا لي ما شاهدوه من المجموعة المصرية مشيدين ببراعتهم.

ومن بعدها ظللت على اتصال مع الريس حسن والريس مفضل والريس محمود.

كانوا دائما ما يوصونا أنا والشافعي بزيارتهم في الشيخ شبل بسوهاج، لكن كلما أقدمنا على تلك الخطوة يحدث ما يمنعنا.

المنيا
الباليرينا المصرية ماجدة صالح خلال زيارتها لأول مجموعة باليه بالمنيا

ومع الأسف هذه الزيارة لم تحدث إلا بعد أن مات الجميع ولم يبقى على قيد الحياة سوى أنا والريس حسن والأستاذ عبد الرحمن شفاه الله.

ومع زيارتي لسوهاج زرت أيضًا مركز الألوانات بالمنيا، شاهدت به أول مجموعة باليه بالصعيد.

بالطبع سعدت جدا بإنشاء أول مجموعة باليه في الصعيد خاصة في المنيا.

لماذا قلت على فن التحطيب اسم لعبة وليس رقصة؟

لأنها بالفعل لعبة وليس رقصة، فهي لعبة حربية عريقة، ونحن لدينا دلائل منذ عصر ما قبل التاريخ عن بدايات استعمال العصا كسلاح.

والدكتور عادل بولاد خبير الفنون القتالية المصري المقيم في باريس تناول التحطيب ذلك.

ليدخل عليه التحديث بحيث تصبح رياضة من الرياضات الدولية مثل الجودو وغيرها من الألعاب.

وقام بمجهود جبار لتسجيل التحطيب في اليونسكو كتراث عالمي حي.

والذي يسعي حاليا لإدراج التحطيب كلعبة من الألعاب المشتركة في الألعاب الأوليمبية.

ورغم استبدال العصا بأسلحة أخرى في الحروب استمرت التحطيب كلعبة تمارس من قبل رجال الصعيد.

إضافة لكونها أخذت مظهر احتفالي بمصاحبة الموسيقى من الزمارة والطبول، هناك بالطبع رقصات مستوحاة من تلك اللعبة.

كالرقصات التي تقدمها فرقة رضا القومية، لكن بالطبع هذه الرقصات ليست إلا تبسيطا بعيدا عن لعبة التحطيب المعقدة.

تحبين مصر بكل كيانك.. فهل فكرتِ بالعودة إلى مصر مرة أخرى؟

بالطبع كنت أتمنى ذلك، وكنت أنا زوجي عالم المصريات والذي أغرم كثيرا بمصر منذ زيارته الأولى لها نأتي سنويا إلى مصر.

ومع كبر السن لم يعد باستطاعته السفر وأنا لا استطيع تركه بمفرده.

وزيرة
الباليرينا المصرية ماجدة صالح مع د. إيناس عبد الدايم

ما الأمنية التي تريدين من مصر تلبيها لك؟

مصر أعطتني كثير جدا، أنا بدونها لم أكن لأصبح شيئا، فقد استفدت منها كثيرا.

حاولت أن أخدم أو أرد لها معروفها بما أستطيع، فالدولة صرفت علينا وعلمتنا وفتحت لنا هذا المجال بأكمله.

وإذا نظرنا لمعهد الباليه من أعظم معاهد العالم كمبنى وأكاديمية وهذا بفضل منشئ وزارة الثقافة دكتور ثروت عكاشة.

والذي فعلا خدم بلده بكل اخلاص ووفاء وهو من أبناء مصر العظماء، كان رجلا نبيلا.

من خلاله الدولة أنشأت وزارة ثقافة وأنشأت كل المجالات الثقافية التي لازالت نشطة حتى اليوم.

أما من الناحية الشخصية جدا، كنت أود رد الاعتبار لي كأول رئيس للأوبرا.

والخطوة الأولى ما تفضلت وقامت به الدكتورة إيناس عبد الدايم وزير الثقافة في زيارتي الأخيرة لي لمصر عام ٢٠١٩

كان الاستقبال بمكتبها استقبالا في غاية اللطف والترحاب وأصدرت تصريحا بأني أول رئيس لدار الأوبرا قبل الافتتاح.

لكن كم كنت أود أن يتم تعليق صورتي مع المديرين السابقين الآخرين وادراج اسمي في السجلات الرسمية للأوبرا.

الباليرينا المصرية ماجدة صالح
الباليرينا المصرية ماجدة صالح مع زوجها عالم المصريات جاك جوزيفسون

ماذا عن حياتك الآن؟

الآن حياتي هادئة لدي بعض النشاطات والاتصالات البسيطة، لكن إلى الآن لازلت أخدم الثقافة المصرية، من خلال تنسيق المناسبات والعروض.

لكن على مستوى متواضع، حسب إمكانياتي، وتضيف:”مابنساش مصر أبدا”، فكل تفكيري كان ولا زال متجه إلى مصر.

هبة معوض تكتب.. دعهم يقرأون