هل يتراجع معدل التضخم العالمي في 2023؟
ساهمت الزيادة المضطرة في معدلات التضخم العالمي في عام 2022، بفعل عوامل كثيرة أبرزها الحرب الروسية الأوكرانية وتأثر سلاسل الإمداد العالمية وارتفاع أسعار الطاقة، في انخفاض القدرة الشرائية للمستهلكين حول العالم.
ومع الأيام الأخيرة لعام 2022، يثور تساؤل: هل يتراجع معدل التضخم العالمي في 2023؟، تباينت توقعات خبراء الاقتصاد، في هذا التقرير نتعرف على أبرز التوقعات.
ما هو التضخم؟
التضخم هو العملية التي بموجبها يفقد المال قوته الشرائية بمرور الوقت. إذن فالتضخم هو ببساطة ارتفاع في الأسعار يمكن ترجمته على أنه انخفاض في القوة الشرائية للمال.
هذا الارتفاع في الأسعار، والذي يتم التعبير عنه غالبًا كنسبة مئوية، يعني أن وحدة العملة تشتري فعليًا أقل مما كانت عليه في الفترات السابقة.
بشكل عام، يعتقد الاقتصاديون أن مستويات التضخم المنخفضة والمستقرة مفيدة للاقتصاد. ففي هذه الحالة يشجع التضخم الطفيف الإنفاق، مما يحافظ على حركة الاقتصاد.
كيف نفهم التضخم العالمي؟
في حين أنه من السهل قياس تغيرات أسعار المنتجات الفردية بمرور الوقت، فإن الاحتياجات البشرية تتجاوز منتجًا واحدًا أو منتجين فقط. يحتاج المستهلكون إلى عدد كبير ومتنوع من السلع والخدمات لكي يعيشوا حياة كريمة.
تشمل الاحتياجات البشرية سلعًا مثل الحبوب الغذائية والمعادن والوقود والمرافق مثل الكهرباء والنقل وخدمات مثل الرعاية الصحية والترفيه والعمل. يكون هدف التضخم هنا أن يقيس تأثير التغير في أسعار السلع والخدمات. يسمح التضخم بتمثيل قيمة واحدة للزيادة في مستوى أسعار السلع والخدمات في الاقتصاد خلال فترة زمنية محددة.
عندما ترتفع الأسعار فإن وحدة واحدة من المال تشتري سلعًا وخدمات أقل. هذا الانخفاض في القوة الشرائية للمال يؤثر على تكاليف المعيشة للأفراد وهو ما يؤدي إلى التباطؤ في النمو الاقتصادي. الرأي المتفق عليه بين الاقتصاديين هو أن التضخم المستدام يحدث عندما يفوق نمو المعروض النقدي للمجتمع النمو الاقتصادي.
عوامل زيادة التضخم العالمي في 2022
تسببت مجموعة عوامل في رفع معدل التضخم العالمي في عام 2022، وهي:
مشاكل سلسلة التوريد
شهدت جائحة كوفيد 19 توقف الاقتصاد العالمي، حيث فرضت الحكومات عمليات الإغلاق. في الاقتصاد العالمي اليوم مترابط بشكل لا كبير، لهذا أثرت عمليات الإغلاق الكبير في جزء واحد من العالم على مناطق أخرى من العالم. لقد زادت أسعار الشحن بشكل كبير، وفاقمت تكاليف الوقود هذه المشكلة، مما ساهم في ارتفاع الأسعار.
منظمة أوبك
تسيطر أوبك على نسبة كبيرة من إنتاج النفط في العالم. أعلنت المجموعة مؤخرًا أنها ستخفض إنتاج النفط بمقدار 2 مليون برميل يوميًا، وهو أكبر خفض لها منذ بداية الوباء. ترى أوبك أن هذا الخفض يهدف إلى تقليل التقلبات في أسعار النفط، لكن انخفاض العرض أدى إلى زيادة أسعار الوقود بشكل كبير.
ارتفاع أسعار الشركات
أشار العديد من الاقتصاديين أن الشركات ترفع الأسعار بسبب التضخم. هذا يبدو منطقيا نظرًا لارتفاع تكلفة إنتاج السلع. مع ذلك، يرى كثير من خبراء الاقتصاد أن الشركات استخدمت التضخم كغطاء لزيادة أرباحها. أشار تقرير لصحيفة نيويورك تايمز أن أكثر من 2000 شركة حول العالم شهدت زيادات كبيرة في هامش الربح هذا العام مقارنة بمتوسطاتها السابقة للوباء.
السياسة النقدية
الاحتياطي الفيدرالي هو مسؤول عن إدارة المعروض النقدي في الاقتصاد الأمريكي. على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية، أبقى الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة منخفضة. يرى بعض الاقتصاديين بأن هذه الفترة الطويلة من السياسة النقدية الفضفاضة أدت إلى زيادة المعروض النقدي بشكل كبير وساهمت في رفع معدل التضخم العالمي الحالي.
الغزو الروسي لأوكرانيا
تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في إحداث اضطرابات في الاقتصاد العالمي وساهم في التضخم بعدة طرق. فمن ناحية، تعتبر روسيا موردًا رئيسيًا للنفط والموارد الطبيعية الأخرى إلى أوروبا. مع رفض العديد من الدول الأوروبية التعامل مع روسيا، ارتفعت الأسعار. كما أن أوكرانيا هي أيضاً مصدر رئيسي للغذاء، وقد انخفضت صادراتها بشكل كبير خلال الحرب، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار.
توقعات التضخم العالمي في 2023
وفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة Consensus Economics توقع بعض الاقتصاديين أن تستمر معدلات التضخم العالمي في الزيادة في عام 2023 في العديد من بلدان العالم، مع وجود بعض الدول التي سوف يستقر معدل التضخم فيها مثل ألمانيا.
أشار تقرير لمركز البحوث الاقتصادية والتجارية (CEBR) إلى أن العالم سيواجه ركودًا في عام 2023، حيث يتسبب ارتفاع تكاليف التمويل بهدف معالجة التضخم في حدوث انكماش في عدد من الاقتصاديات. لقد تجاوز الاقتصاد العالمي 100 تريليون دولار لأول مرة في عام 2022، لكنه سيتوقف في عام 2023 حيث يواصل المسؤولون معركتهم ضد ارتفاع الأسعار.
وأضاف التقرير أن المعركة ضد التضخم العالمي لم تنتهي بعد. وتوقع التقرير أن يلتزم محافظو البنوك المركزية في دول العالم بأسلحتهم لمواجهة التضخم في عام 2023 على الرغم من التكاليف الاقتصادية. إن تكلفة خفض التضخم إلى مستويات أكثر راحة تعني توقعات نمو أضعف لعدد من السنوات القادمة.
كما قدم صندوق النقد الدولي توقعات متشائمة لعام 2023. فقد حذر الصندوق من أن أكثر من ثلث الاقتصاد العالمي سوف ينكمش وأن هناك فرصة بنسبة 25٪ لنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة أقل من 2٪ في عام 2023، وهو ما يُعرف بأنه ركود عالمي.
على جانب آخر، تتجه توقعات بعض الاقتصاديين إلى الاستقرار في نسب الزيادة في معدلات التضخم العالمي في عام 2023. حيث يساعد تباطؤ النمو الاقتصادي، وانخفاض الطلب بين الشركات على السلع المصنعة، واستقرار أسعار السلع الأساسية، والتحسينات في سلاسل التوريد العالمية، في الحد من نمو التضخم المتوقع.
لكن هناك عوامل مخاطر رئيسية مثل الاضطرابات الإضافية في سلاسل التوريد، وصدمات أسعار الطاقة المحتملة، وأسواق العمل المحدودة قد تسرع نمو الأسعار في عام 2023.
ومع الزيادة التي حدثت في معدل التضخم في أكبر الاقتصادات والتي أدت إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في عام 2022 مما أدى إلى اعتدال الطلب على السلع ومن ثم الحد من نمو الأسعار. فمن المتوقع وفقاً لبعض الاقتصاديين أن يتم تعديل معدلات التضخم المتوقعة في 2023 في الولايات المتحدة الأمريكية والاقتصادات الناشئة بشكل طفيف نحو الهبوط، حيث يساعد تخفيف ضغوط الأسعار على السلع المصنعة وبقية السلع في الحد من التضخم.
مع ذلك، فقد تزداد معدلات التضخم المتوقعة في عام 2023 في منطقة اليورو مع استمرار أسعار الطاقة في زيادة الضغوط التضخمية في البلدان الأوروبية التي تعتمد بشكل كبير على واردات الطاقة.
في النهاية، تتباين التوقعات بشأن معدلات التضخم العالمي في عام 2023، ما بين استمرار الزيادة أو استقرار هذه الزيادة وتوجهها نحو الهبوط بشكل طفيف، مع توقع الركود العالمي في 2023.