القاهرة الفاطمية.. التبادل التجاري وقوانين البناء وتخطيط الشوارع

القاهرة الفاطمية.. التبادل التجاري وقوانين البناء وتخطيط الشوارع

لم تكن المدينة الفاطمية تحتوي على الأسواق الكبيرة كسائر الحال في المدن مقر الحكم، حيث كانت تحوي فقط ما يمكن ان يخدم مجموعة النخب أو الطبقة الحاكمة. ويصف خسرو -الذي أقام في القاهرة في الفترة من 1047 إلى 1050- حركة الأنشطة التجارية بشكل موجز، فيقول أن عدد المحلات آنذاك كان يقدر بــ 20.000 محل ملك للخليفة ومؤجره. وكان معظم المستأجرين يقيمون في الفسطاط وينتقلون بشكل يومي إلى محلاتهم.

القاهرة الفاطمية

وعملت الدولة على تنظيم النشاط التجاري، فنظمت مختلف الحرف والمهن في نقابات وكانت عضويتها إجبارية، وترجع جذور هذا النظام إلى الوجود البيزنطي والرومان في مصر. وكانت الأسواق تدار بواسطة مكتب المحتسب وهو بمثابة وكيل عن الحكومة ويعمل كمفتش على الأسواق. وعلى الرغم من أن مكتب المحتسب لم يكن له أهمية حتى نهاية الحكم الأيوبي، فإنه قد يكون جزءاً من تراث القاهرة لفترة ما قبل العصر الأيوبي. وعلى أي حال كان دور المحتسب في العصر الفاطمي يقتصر على ضبط الأسعار والتأكد من الجودة وتحصيل الضرائب. وقد أثر النظام الاجتماعي الذي ترجم إلى أمر مادي على هيكل النشاط التجاري. وتناثرت الأسواق المتخصصة حول أنحاء المدينة وفي شوارعها، وكان كل سوق يرتبط بحي معين، بحيث يكون لكل سلعة مكان محدد للإنتاج والتوزيع. وقد ساد هذا النمط من التنظيم التجاري بفضل النظام الاجتماعي، الذي كان له تأثير كبير على شكل وبنية المدينة.

قوانين البناء ونظام الوقف في القاهرة الفاطمية

أُدخل نظام الوقف في مصر قبل وصول الفاطميين، وكان دوره خلال حكمهم محدود جداً، وكان هناك نوعاً واحداً فقط أكثر شيوعاً، وهو توريث أو وقف الممتلكات على المؤسسات الدينية وخاصة المساجد. ولكننا لم نعرف إلا القليل عن قوانين ونظم البناء في العصر الفاطمي، وربما يرجع ذلك إلى امتلاك الخليفة لمعظم أجزاء المدينة، وامتلاك النخبة للأجزاء الأخرى، وبذلك يمتلك الخليفة المدينة بطريقة أو بأخرى.

شوارع القاهرة الفاطمية

قسم الفاطميون القاهرة إلى مدينتين كبيرتين وهما الفسطاط “مصر” والقاهرة؛ وكانت الفسطاط مكتظة بالسكان ومخصصه للأنشطة الإنتاجية الرئيسية، والقاهرة كانت مقر الطبقة الحاكمة ومقسمه إلى أحياء عرقيه. وقد يكون من المفيد تحليل شوارع الفسطاط أكثر من شوارع القاهرة في ذلك الوقت، ولكن تبقى هناك مشكلتين، وهما عدم تمكن علماء الآثار من إعادة بناء صورة شاملة لشوارع الفسطاط، وعدم رفع الدمار الذي أصاب الفسطاط في نهاية الحكم الفاطمي. وذلك على الرغم من المحاولات العديدة التي بذلت لاستعادتها، وظلت المدينة ذات الكثافة السكانية المنخفضة إحدى الضواحي الجديدة، فتزايد النمو بسرعة في القاهرة، وتغيرت شوارع الفسطاط.

وتشير البنية الداخلية للقاهرة إلى التسلسل الهرمي لأنماط الشوارع التي وضعت خلال فترة حكم الفاطميين في ضوء الأنماط القائمة بالفعل في مدن أخرى في شمال افريقيا. فالتشابه بين أنماط الشوارع في القاهرة وفاس ومراكش يشير إلى بعض الخصائص المشتركة. ومع ذلك لن يكون من السهل استكشاف هذه التشابهات، حتى يتم فحص نمط شوارع القاهرة وما طرأ عليها من تطورات بدقة.

وكان الفاطميين يميلون إلى بناء الشوارع الواسعة، وتشير الاكتشافات الأثرية الأخيرة إلى أن الفاطميين عملوا على توسيع الشوارع الضيقة بالفسطاط، ولذلك يمكننا القول أن الشوارع كانت أكثر اتساعاً في العصر الفاطمي، ولكن من الصعب تعميم ذلك على كافة مستويات الشوارع. وقد سجل كلاً من خسرو والمقريزي الاتساع ما بين القصرين وعرض الشوارع التي تربط القصور ببوابات المدينة.