المجتمع العربي بين المجالس العرفية والقانون
لطالما كان التأكيد على أن قيام دولة مدنية حديثة ومجتمع فاعل ومؤثر يعتمد على ترسيخ عدة مبادئ منها مبدأ سيادة القانون حيث يعرف بأنه مبدأ للحوكمة يكون فيه جميع الاشخاص والمؤسسات والكيانات العامة والخاصة بما في ذلك الدولة ذاتها مسؤولين أمام قوانين صادرة علنا وتطبق علي الجميع بالتساوي ويحتكم في إطارها إلى قضاء مستقل ويقتضى هذا المبدأ المساءلة أمام القانون وطبقا لذلك فإن القانون يعتلي عرش القضاء ولكن في المجتمعات العربية يتخللها ظاهرة المجالس العرفية وقبل أن نستطرق حديثنا الذي يدور حول موضوع القوانين والمجالس العرفية في المجتمع العربي نتناول بالتعريف كلا من المصطلحين .
أولا: القانون
القانون اصطلاحا يعرف بأنه مجموعة القواعد التي تنظم سلوك الأفراد في الجماعة وتعمل السلطة العامة على تطبيق تلك القواعد من خلال توقيع الجزاء على المخالف .
ثانيا :المجالس العرفية أو ما يسمى “بالقضاء العرفي”
عبارة عن لجان فض منازعات وهي وسيلة متعارف عليها للتحكيم بين الخصوم وأحكامها تحوذ قوة الإلزام وتسود في القري والصعيد والبدو .
ويتضح وجود علاقة بين المجالس العرفية والقانون , فالمجالس العرفية تحتكم الى العرف والعرف هو مصدر رسمي للقانون بصريح المادة الاولي من القانون المدني المصري حيث نصت المادة بأنه إذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكم القاضي بمقتضي العرف ،وبناء علي هذه المادة قولا واحدا أن العرف يعمل به إذا لم يوجد نص تشريعي يعالج المسألة التي وقع عليها الخلاف بالإضافة الي عدم تعارضه مع أحكام القانون والدستور.
وقد انتقلت ظاهرة المجالس العرفية الينا مع الفتح الاسلامي حيث أن مصدرها الجزيرة العربية فلم يكن هناك وجود للقوانين في هذه المنطقة فكانت الكلمة الاولي والاخيرة للعرف والمجالس العرفية ومن الضروري الاشارة الى أن المجالس العرفيةتستمد شرعيتها من المادة 64 من قانون المرافعات المدنية والتجارية ونصها الصلح ، ولكن يظهر جليا أن هذه المادة تقتصر علي المسائل والمنازعات المدنية والتجارية فقط دون النزاعات الجنائية والطائفية ووفقا لما سبق فإن قيام هذه المجالس والقائمين عليها بحل المسائل الجنائية والطائفية هو خارج عن إطار القانون بالإضافة الى أن بعض أحكام المجالس المشار إليها تتعارض مع مواد الدستور فقد يصل الحكم الى التهجير علي سبيل المثال لا الحصر وهو ما يخالف المادة 63 علي أنه يحظر التهجير القسري التعسفي للمواطنين ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم.
يتضح وجود تفاوت في وجهات النظر في هذه المسالة بين وجهتين , الأولي يرون أن القضاء العرفي بوابة للظلم والإعتداء علي أحكام القانون والدستور كما اشرنا سابقا ،
أما الفريق الثاني يري أن بالإضافة الى أنه مصدر من مصادر التشريع فهو ايضا أحد اساليب التعايش المشترك وهو أحد مبادئ إرساء دولة مدنية حديثة وتساعدها على الاستقرار.
ومن هنا نثير التساؤل حول كيف يقام هذا المجلس الذي أثار الجدل ؟!
يبدا بما يسمي” سايرة الخير” ويعبر هذا المصطلح عن قيام مجموعة من الناس بالتدخل لوقف النزاع ثم اخذ شرط “الهدنة” او” الاتفاق” وذلك الى أن يجلس طرفي النزاع معا فيما يسمي ب شرط معاودة أو عمار يوقع عليه كليهما وتكون مشروطة بمبلغ مالي ضخم حتي لا يتعرض طرف لأخر الى حين انتهاء المدة التي تتروح من أسبوع الى شهر ومن ثم يختاروا المرجح او ما يسمى ب “صاحب البيت” وهذه هي اُسس قيام الجلسة.
ومن هنا نثير موضوع شائك وهو أن هذه المجالس تقف أمام النظام القضائي الند بالند فهي تعتبر وسيلة للهرب من روتين المحاكم ف الذي ينتهي في جلسة عرفية واحدة يمكن أن يأخذ بها القضاء عدة جلسات أو قد تنتهي بعد عدة سنوات، وفي هذا الإطار يجب على الدولة أن تسعي الى تطوير النظام القضائي ليلائم متطلبات العصر و القضايا التي تتسم بالتعددية بالإضافة الى فرض القانون على الكافة وإعمال القرارات التي تنهي سيطرة هذه المجالس فيلجأ الكل الى القانون وتنتهي حالة التواجد في العصور الوسطي .