الموتات الثلاث.. دعوة للتفكر والتدبر في الموت وأشكاله الثلاثة

الموتات الثلاث.. دعوة للتفكر والتدبر في الموت وأشكاله الثلاثة
الموتات الثلاث حقيقة وواقع

الموتات الثلاث.. والتدبر في الموت وأشكاله الثلاثة. يقول الله سبحانه وتعالى في الآية رقم 42 من سورة الزمر: “اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”

الموتات الثلاث
الموتات الثلاث حقيقة وواقع

هيا نتفكر

وحتى أحمي نفسي وأقصي قارئي الكريم عن وساوس الموسوسين واتهامات المتطرفين؛ أدعو الجميع إلى جعل أنفسهم في عداد المتفكرين حسب ما ورد في ختام هذه الآية ونحسب أنفسنا من الذين تطلعوا إلى التفكر وصدق فيهم قول الله عز وجل “إنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” ونسأل: هل تستعدون ذهنيًا وروحانًيا للتفكر، للوقوف على عظمة آيات الله فينا وفي خلقنا الذي أعجز العالم وأبهر الصانع ودفع الخليل إلى السؤال عما يطمئن به قلبه.

الموتة الأولى

متى تكون الموتة الأولى أو الصغرى؟ هذه هي المذكورة في هذه الآية وهي الموتة عند النوم: ” اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ”، وهنا نقول إن هناك روح تموت ساعة المنام ونفهم أن النوم فيه موت، لكن تبقى فينا روحٌ لا تموت أثناء النوم وهي الروح التي ينتظم بها التنفس ووظائف أجسادنا الحيوية والعقلية وغيرها التي تتم ونحن نائمون.

وما يدرينا أنهما نفسان أو روحان؟ يدرينا قوله تعالى: ” فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى”، وكلمة الأخرى فيها ما فيها.. ونفهم منها أيضًا أن لنا نفسين وروحين. ونفهم أن الله يمسك التي قضى عليها الموت يمسكها الله عنده، والأخرى يرسلها الله في كونه حتى يحين أجلها. متى يحين أجلها؟ هذا ما سنجيب عنه في حديثنا عن الموتة الكبرى؟
أيضًا، يمكننا الاستدلال على هذه الموتة الصغرى أيضًا بحديثٍ في صحيحي البخاري ومسلم من حديث عبيد الله بن عمر، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –”إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخلة إزاره ، فإنه لا يدري ما خلفه عليه ، ثم ليقل : باسمك ربي وضعت جنبي ، وبك أرفعه ، إن أمسكت نفسي فارحمها ، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين.”

الموتة الثانية

ثانيًا، تعالوا بنا نتفكر في الموتة الثانية. هذه الموتة  مذكورة أيضًا في نص الآية: “اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”.

من هذا المنطلق نفهم أن لنا روحًا يمسكها الله عند الموت وأخرى يرسله الله في كونه بعد الوفاة، وهذا الإرسال مذكور وواضح نصًا في قوله تعالى: “ويرسل الأخرى إلى أجلٍ مسمى”. بعد هذه الموتة تبقى الروح سارحةً في ملكوت الله وتجعلنا نرى ما يراه النائم من أحلام. لذلك، أكد ابن حزم أن السؤال في القبر للروح فقط بمعنى أن الروح هي الحاضرة والسامعة لطرق النعال وغيره، وهي المعذبة والمنعمة أيضًا، فلو رأى الميت كابوسًا بروحه المطلقة معه؛ فلن يملك عقلًا حيًا ينبهه أو يوقظه. وهذا عذابٌ لأن النائم الحي يستيقظ حتى لا تصيبه صدمة أو يختنق خنقة تميته. وبسبب بقاء هذه الروح سميت هذه المرحلة بالبرزخ أو “الموتة الوسطى.”

الموتة الثالثة أو الكبرى

 يمكننا معرفة الموتة الكبرى إذا قرأنا تفسير قول الله سبحانه وتعالى”وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (الزمر 68). ونفهم هنا أن الروح في تصعق في النفخة الأولى.

بعد ذلك، تأتي الموتة الكبرى التي يموت فيها الملائكة والجن ومن بقي في السماء والأرض إلا من استثناهم الله من الموت بقوله “إلا من شاء الله.” وقد تعلمنا في الأزهر أن الأشاعرة يقولون إن المستثنى من تلك النفخة هم الملائكة المقربون وموسى عليه السلام. لماذا؟ لأن موسى قد نال حظه من الصعق في الدنيا. متى؟ يوم تجلى ربه للجبل فجعله دكاء وخر موسى صعقًا.”
وفي النهاية، تدخل جميع المخلوقات مرحلة العدم الكلي. هذا العدم الكلي هو  الموتة الكبرى. وهذه هي التي يغيب فيها الإنسان تمامًا عن الوجود. عندها لا يعيي شيئًا لفناء جسده، ولا يرى أحلامًا ورؤى لزوال روحه. هذه هي الموتات الثلاث.