امبراطور الاتوبيس.. المصري الذي صنع المجد لبلاده وقهر القوى الصهيونية

امبراطور الاتوبيس.. المصري الذي صنع المجد لبلاده وقهر القوى الصهيونية
عبد اللطيف أبو رجيله وعبد اللطيف البغدادي

كتب- محمد حجازي

عبد اللطيف أبو رجيله “امبراطور الاتوبيس” من نوابغ الخريجين في مدرسة طلعت حرب، ولا تستطيع العين الموضوعية المنصفة أن تخطيء أوجه التشابه غير القليلة التي تجمعهما، على المستويين العلمي والشخصي. فكلاهما كان طموحاً يريد أن يحقق النجاح قبل الثراء، وأن تلعب ثروته دوراً اجتماعياً يتجاوز المصلحة الشخصية إلى التنمية الشاملة، ويتحلى كلاً منهما بالإصرار والتحدي والمرح والابتعاد عن التقعر والادعاء. فقد تعرضت ثروة أبو رجيله الموجودة في موانئ ايطاليا إلى الضياع خلال الحرب العالمية الثانية. وأصبح وفق تعبيره الساخر “على الحديدة”، ولكنه لم يعرف اليأس، وعاود الصعود إلى القمة، مسلحا بالعمل والأمل والإصرار. ولعل المشترك الأهم هو قوة الانتماء الوطني، ويتضح ذلك من خلال توريده الأسلحة للجيش المصري بين عامي 1948 و1952، وهو ما عرضه للتهديد والاعتداء من القوى الصهيونية في إيطاليا. كما انه تقدم بإقرار إلى السلطات الايطالية بتحويل إيراداته إلى مصر.

عبد اللطيف أبو رجيله وعبد اللطيف البغدادي
عبد اللطيف أبو رجيله وعبد اللطيف البغدادي

 

ويقترن اسم عبد اللطيف أبو رجيله “امبراطور الاتوبيس” بالنشاط الأهم في مجال النقل الداخلي بالأتوبيس، لكنه عمل في مجال تصدير الحبوب والحاصلات الزراعية، وشارك في تأسيس شركة الخزف والصيني مع البنك الصناعي، وتعاون مع وزارة الصناعة لبناء مصنعين لليايات والفرامل، وأسس شركة القاهرة للتأمين، وشركة أخرى للصناعات الأسمنتية، وهي الشركة التي لعبت دوراً إيجابياً بارزاً في تعمير مدينة بورسعيد بعد العدوان الثلاثي. وبالإضافة إلى هذه الأنشطة كلها، كان عبد اللطيف أبو رجيله من عشاق العمل الزراعي واستصلاح الأراضي، وكانت مزرعته النموذجية تصدر انتاجها من المانجو والموالح إلى الدول الأوروبية، وخاصة السويد. ويذكر أيضاً من مجالات عمله، أنه مالك فندق “سميراميس” في جزيرة كابري الايطالية.

ومع قيام ثورة 1952 أرادت الحكومة المصرية السيطرة على وسائل النقل التي كان يتحكم فيها الأجانب والتي ساءت حالتها بعد تعثر الشركات المصرية. واتصل السيد عبد اللطيف البغدادي، وزير الشئون البلدية في صيف 1954، بعبد اللطيف أبو رجيله ليستحثه على العودة إلى مصر، وبمجرد وصوله تحدث معه الوزير عن تسيير خطوط أتوبيس المجموعات الأولى والثانية والسادسة في مدينة القاهرة، وهذه الخطوط هي الأكثر أهمية وخطورة، وتحمل الرجل مهمة وطنية جليلة ومسئولية اقتصادية خطيرة في ظل أوضاع بالغة التدهور، ولم يفرض شروطاً، ولم يطلب قروضاً أو ضمانات، ووافق على تحمل حقوق جميع العمال والموظفين. وشرع في العمل الايجابي واستورد سيارات أتوبيس من أشهر الماركات العالمية وأكثرها كفاءة؛ والبرلييه والشوسون من فرنسا، والمرسيدس من ألمانيا. وخلال عامين من بداية العمل، كان لدى خطوط القاهرة أكثر من أربعمائة سيارة أتوبيس تقدم خدمات راقية، وبكفاءة غير مسبوقة. وبنى أكبر جراجين في مدينة القاهرة، أولهما عند مدخل القبة على مساحة ثلاثة عشر فداناً، وثانيهما بالقرب من نفق الجيزة، فضلاً عن جراج ثالث اشتراه من شركة الأمنيبوس العمومية. وبنيت تلك الجراجات على أحدث التطورات في عالم النقل العصري.

وعندما تعرضت مصر للعدوان الثلاثي سنة 1956، بادر عبد اللطيف أبو رجيله “امبراطور الاتوبيس” بوضع اتوبيسات شركته تحت تصرف القوات المسلحة، وتكفل بمسئولية تموينها ودفع أجور سائقيها. وعندما طرحت مصلحة الطرق والكباري عمليات طريق اسكندرية الزراعي، وطريق شربين-كفر الشيخ، وغيرها، تقدم لتنفيذ أربع عمليات تعبيد الطرق. ولضمان أعلى مستوى من الجودة في التنفيذ، استعان بمجموعة من الخبراء الفنيين الإيطاليين. وكانت اتوبيسات شركته في الخمسينات، تنقل ثلاثة عشر مليوناً من المواطنين داخل القاهرة في الشهر الواحد، وكان عدد العمال أربعة آلاف ما بين سائق ومحصل وميكانيكي وإداري وناظر محطة ومفتش.

المصدر:-

وزارة الاستثمار، وحدة التطوير المؤسسي، سلسلة رواد الاستثمار، عبد اللطيف أبو رجيله، امبراطور الأتوبيس