تحتمس الثالث والامبراطورية المصرية.. حكاية أقدم الامبراطوريات في التاريخ

تحتمس الثالث والامبراطورية المصرية.. حكاية أقدم الامبراطوريات في التاريخ

تحتمس الثالث هو ابن الملك تحتمس الثاني، وكان هو ولي العهد بعد رحيل والده، ونظرا لصغر سنه، كانت الملكة حتشبسوت هي الوصية على العرش، ولكنها استولت على العرش، ولم يكن الطريق ممهد بالورود أمام حتشبسوت، فقد حاولت اقناع الجميع بأن المرأة قادرة على تولي الحكم، فارتدت الذقن والنقبة الصغيرة.

تحتمس الثالث

اعتلى تحتمس الثالث عرش مصر بعد وفاة حتشبسوت، هذا الشاب مفتول العضلات كان يمتلك مقومات القائد والمناضل، فقد اكتسب الخبرة والصلابة والقوة من خلال التدريبات في ساحات المعارك بالأقصر، فأصبح شخصية خارقة وعبقرية عسكرية.

اهتم تحتمس الثالث بالجيش وجعله نظاميا وادخل عليه الكثير من التحديثات، فأضاف اليه العربات الحربية، وصناعة الأسهم والنبال النافذة. ولما كانت سياسة حتشبسوت قائمة على اعلاء السلام مع جيرانها وفي البلاد الواقعة تحت حكم مصر، استغل البعض هذا السلام في التمرد والخروج عن حكم مصر.

نجح تحتمس الثالث في إعادة فرض سيطرته على هؤلاء لتأمين حدود البلاد، من خلال ستة عشرة حملة عسكرية على آسيا، فتمكن من ترسيخ نفوذه هناك كما ثبت نفوذ مصر حتى بلاد النوبة جنوباً، وبذلك تحول إلى ملك محارب اسطوري.

بدأ تحتمس بعد ذلك في التوسع، فامتدت حدود مصر في عهده إلى نهر الفرات وسوريا شرقا وليبيا غربا وسواحل فينقيا وقبرص شمالا ومنابع النيل حتى الشلال الرابع جنوبا، وهذه هي أقصى حدود للدولة المصرية على مدار تاريخها، وبذلك كون تحتمس أقدم امبراطورية في التاريخ.

عمل تحتمس على منح كل إقليم حكما ذاتيا بسبب اتساع الإمبراطورية واختلاف الأجناس والأعراف، وكانت جميعها تابعة لإدارة قوية من ذوي الكفاءات. واتبع نظام سياسي بارع، فكان يلزم أبناء أمراء الأقاليم الأسيوية على التعلم في طيبة عاصمة مصر في ذلك الوقت، لكي يتربوا في مدارسها على العادات والتقاليد المصرية ويتشبعوا بالثقافة المصرية وحب مصر، فإذا عادوا إلى بلادهم وتولوا الحكم فيها صاروا من اتباعه المخلصين ومن ثم لا يفكرون في الحرب على مصر.

كان تحتمس الثالث سابق عصره في العديد من المجالات، فأنشأ متحف في منطقة قدس الأقداس أو البحيرة المقدسة الواقعة بالقرب من البهو الخارجي لمعبد الكرنك بالأقصر، ووثق على جدران هذا المتحف صور وأشكال الحياة في مصر من طيور ونباتات وحيوانات وغيرها، وبذلك حفظ لنا صورة لشكل الحياة في هذا الزمان. وشيد تحتمس الثالث سبع مسلات ما زالت باقية حتى الآن في عدد من عواصم العالم، ومن بينها المسلة الموجودة في لندن.

توفي تحتمس الثالث في عمر 82 سنه بعد حكم امتد لنحو 54 عاما كما جاء في نص امنمحات، ودفن في مقبرة بوادي الملوك كان قد شيدها لنفسه وهي المقبرة رقم 34، وذكر بعض المؤرخون أن جميع المصريين حزنوا عليه حزنا شديدا، ولم يعرف التاريخ القديم جنازة مثل جنازته في ضخامتها. وقد اكتشفت مقبرته عام 1898 من قبل العالم فيكتور لوريت، وكانت قد تعرضت للنهب.