أحمد علي صالح يكتب (حب الوطن فرض عليّ)

أحمد علي صالح يكتب (حب الوطن فرض عليّ)

حب الوطن فرض علي

الوطن هو ذلك المكان الذي يستوطن فيه الإنسان، وينبغي عليه أن يحافظ علي أي وطن يعيش فيه، حيث أن أي مكان يحتوي الشخص يعتبر وطنًا بالنسبة له، سواء كان وطنًا دائماً أو مؤقتًا.

ولا شك أن حب الوطن قيمة كبيرة، أمر بها الدين، وحثت عليه الشرائع السماوية.، فالوطن هو حصن الإنسان، ويشكل عقله ووجدانه، ثم يؤثر فيه التأثير الإيجابي.

من هنا ينبغي علينا أن نعمل بكل طاقاتنا للحفاظ علي أوطاننا والدفاع عنها، فإذا أحب الإنسان وطنه، عمل علي تطويره وتقدمه، لذا فهو أي – حب الوطن – ليس مجرد فضيلة بل هو فريضة.

والوطن يمتلكه المواطنون، بمعني أنهم يدافعون عنه، فيروي سعيد بن زيد، رضي الله عنه، أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: (مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ أهلِهِ فهوَ شَهيدٌ). سنن الترمذي

فالوطن يشكل مال وعرض ودم الإنسان .

  • محمد وموطنه

كان سيدنا محمد، يحب وطنه، مكة، حبًا شديدًا حتى أنه عندما أجبره المشركون علي الخروج منها قال مقولته الشهيرة عندما وقف علي مشارفها: (والله إنكِ لأحب بلاد الله إلي الله، وأحب بلاد الله إليّ) والتي تدل علي إيثاره لبلده وموطنه ومسقط رأسه مكة المكرمة.

حب الوطن جزء لا يتجزأ من الإيمان، وسيدنا محمد هو أول من أرسي دعائم المواطنة بدستور المدينة، والحق تبارك وتعالي أعلي من تلك القيمة.

ويوجد بالقرآن الكريم العديد من النصوص القرآنية، والسنة النبوية تزخر بأحاديث كثيرة تتحدث عن قيمة الوطن منها، قسم الله عز وجل ببلد الرسول في قوله تعالي: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ* وَطُورِ سِينِينَ*  وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ)(التين 1: 3).

وكذلك: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمْ أَوِ ٱخْرُجُواْ مِن دِيَٰرِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ۖ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِۦ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا)(النساء: 66).

وروت كتب السنة النبوية ذلك أيضًا منها ما رواه ابن شها الزهري: (أن أصيل الغفاري قدم إلي المدينة بعد الهجرة، فدخل علي سيدنا محمد، قبل أن يضرب الاحتجاب، فقالت له عائشة: كيف تركت مكة؟ فقال: أخضرت جنباتها، وابيضت بطحاؤها، وأغدق اذخرها، وانتشر سلمها. فقال له الرسول: حسبك يا أصيل لا تحزني). أسد الغابة في ص 254، ط دار الكتب العلمية، بيروت

فهذا الحديث يدل علي مدي تعلق الرسول الكريم بوطنه، وفي حديث آخر يرويه أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: ( كان النبي صلي الله عليه وسلم إذا قدِم من سفر فأبصر درجات المدينة أوضع ناقته، وإن كانت دابة حركها). فتح الباري شرح صحيح البخاري، كتاب العمرة، باب من أسرع ناقته إذا بلغ المدينة.

  • تنمية

حب الوطن ليس أغنية أو نشيدًا يقال، وإنما هو قول لابد أن يصاحبه التطبيق العملي والدليل المادي علي هذا الحب.

وتنمية حب الوطن يبدأ من النشء، بعدة طرق: التربية السلوكية والأخلاقية، وتعليم النشء قيمة وأهمية حب الوطن، والحفاظ عليه، والتأكيد علي ذلك من خلال وسائل الإعلام.

ولكن تكمن مشكلتنا أننا غير مدربين علي ذلك، بمعني أنه حال حدوث خلاف، نجد البعض يؤذي الوطن من خلال تدمير وإحراق بعض المباني، ظنًا منه أنه بذلك يعاقب المسئول، مع أنه في الحقيقة يعاقب نفسه وجميع المواطنين معه، فالجميع سيشارك في بنائها من جديد.

هذه منظومة متكاملة تبدأ من الأسرة والمدرسة والمسجد والكنيسة والجامعة، ثم كافة الجهات والمصالح المختلفة بالدولة مسئولة عن تنمية حب الوطن في نفوس المواطنين.

  • الحب الايجابي

حب الوطن الايجابي هو البذل والتعب والسهر حتى يتقدم الوطن ويكون للأمام، وأضرب مثالًا بسيطًا، فدول جنوب شرق آسيا، لولا أنهم محبون لأوطانهم، لما تقدموا اقتصاديًا مثلما حدث خلال العقود الأخيرة.

فكل عمل ايجابي يقوم به الشخص ينبغي أن يكون ناتجًا عن حبه لوطنه، وينبغي أن تظهر علينا التصرفات الحسنة والحفاظ علي الأوطان كدليل علي حبنا لها.

كان أحد الحكماء يقول: جميل أن يموت الإنسان من أجل وطنه، ولكن الأجمل أن يحيي من أجل هذا الوطن.

والبابا شنودة يقول: مصر وطن يعيش فينا، وليس وطن نعيش فيه.

وفي هذا دليل علي تأثير حب الوطن علي المجتمع ككل، فيزدهر ويرتقي من أجل حياة أفضل لمواطنيه.

وأري أن الشعور بالانتماء للوطن، مترتب علي الحب، فمن لا حب له، فلا انتماء له، فالفرد عندما يعيش علي أرض يحبها، وبين أناس يحبهم، سوف يأنس بهم، ويراعون مصالحه، كل هذه الأمور لا تجتمع إلا في حب الوطن.

كاتب المقال/ كاتب دراسات اجتماعية