د.يحيى عبد التواب|حكاية باليرون من الرعيل الأول في الباليه..”كل فن له حق الحياة”

د.يحيى عبد التواب|حكاية باليرون من الرعيل الأول في الباليه..”كل فن له حق الحياة”
دكتور يحيى عبد التواب

دكتور يحيى عبد التواب: ليس من السهل أن يكتب دراما الباليه أي شخص.

كل فن له حق الحياة.

الباليه ليس رقص الباليه مسرح فيه رقص وبانتومايم.

كان الباليه دائما وأبدا واحدا من أصعب الفنون على الإطلاق، فهو واحد من أنواع فن المسرح الموسيقي، الدرامي.

أما فنانوه فهم الأسمى دائما، فيما يقدمونه من فن راق، خاصة الرواد الأوائل منهم، هؤلاء الذين طوعوا كل جزء في جسدهم ليصنعوا تاريخ ذلك الفن.

واليوم نحن بصدد واحد من أبرز رواد فن الباليه في مصر، وفنان أول بفرقة باليه أوبرا القاهرة، ومن الرعيل الأول في ذلك الفن.

دكتور يحيى عبد التواب..

الفنان والباليرون المصري، الذي استطاع أن يسطر تاريخه وتاريخ الباليه منذ ما يزيد عن ٥٨ عام.

ومن ثم قام فريق عمل المحايد الإخباري بمحاورة ذلك الفنان العظيم، لنتذكر معا أولى وأبرز محطات حياته.

حدثنا عن دكتور يحيى عبد التواب وبداياته مع فن الباليه

البداية مع الباليه كانت من خلال أداء أول دور رئيسي على مسرح دار الأوبرا المصرية، في فقرة العمياء مع الباليرينا د.ماجدة صالح سنة ١٩٦٣.

عندما قدمت مدرسة الباليه أول عرض لها يستمر لمدة أربعة أيام، وهو يعتبر أول حفل منوعات تقدمه المدرسة.

ليأتي بعدها الحدث الأعظم في تاريخ الباليه المصري عندما تم تقديم أول باليه كامل من أداء مصريين “نافورة بخشتي سراي” في ٤ ديسمبر عام ١٩٦٦، والذي أديت فيه الدور الرئيسي خان چيراي.

وقد حضر الرئيس جمال عبد الناصر هذا العرض بدعوة من وزير الثقافة ومؤسس أكاديمية الفنون بكل معاهدها دكتور ثروت عكاشة.

ومنحنا الرئيس أوسمة وأنواطا بتاريخ ٥ ديسمبر ١٩٦٦، وكان ذلك مؤشرا مهما على رعاية الدولة للفنون الرفيعة.

بعد ذلك أديت دور هانز ثنائي عرض باليه لفرقة باليه القاهرة جيزيل الذي عرض عام ١٩٦٨.

ودور دروسليسر في ثالث عرض باليه لفرقة باليه القاهرة كسارة البندق، عام ١٩٦٩، بعدها تم تقديم باليه دافنيس وخلويه في عام ١٩٧٠، وباليه دون جوان ١٩٧١.

وبعد حريق الأوبرا تم تقديم باليه دون كيشوت عام ١٩٧٢، ولكني لم أكن أقوم بأدوار رئيسية في هذه الباليهات.

بعد ذلك شاركت في تدريب فرقة باليه أوبرا القاهرة، ” في لوحات الباليه في “أوبريت حياة فنان” عن الموسيقار ريتشارد شيتراوس، مع استخدام فالساته الشهيرة وكان العرض من إخراج أحمد عبد الحليم عام ١٩٧٠.

وقدمت دور هانز في باليه جيزيل في أول جولة فنية لفرقة باليه القاهرة على مسارح موسكو ولينينجراد عام ١٩٧٢.

حريق الأوبرا..

ظلت هذه العروض حتى قامت الفاجعة الكبرى بحريق الأوبرا ١٩٧١، بعد الحريق بالطبع تم نقل العروض على عدة خشبات مسرحية أخرى.

مثل القاعة الكبرى بمسرح جامعة القاهرة، ومسرح الجمهورية ومسرح البالون، لكن هذه أيضا حرقت، وكأن الحريق يطارد فن الباليه.

بعد الحريق تغيرت الحياة الثقافية وأصبحت الحياة لفن الباليه صعبة، اتجهت أنا إلى موسكو واتجهت الباليرينا ماجدة صالح إلى الولايات المتحدة للدراسة.

أنهينا الماجستير معا سنة ١٩٧٤، حصلت على ماجستير في العلوم المسرحية، كلية العلوم المسرحية، معهد المسرح الحكومي بموسكو.

وحصلت على دكتوراه الفلسفة في الفنون، قسم إخراج الباليه، بنفس المعهد سنة ١٩٧٩، كانت الدراسة بعنوان “قضايا خلق عرض الباليه القومي في مصر”.

في نفس السنة التي حصلت فيها دكتورة ماجدة صالح على درجة الدكتوراه في فلسفة الفنون من نيويورك.

والذي كان فيلم أشواق الأهالي عن الثروة الهائلة الرقص الشعبي في مصر والأسلوب المعاصر لاستلهامه في فن الباليه هو المادة العلمية التي تم استخدامها في الرسالة.

وبعد الدكتوراه حصلت على منحة تطبيقية في مسرح ستانيسلافسكس الموسيقي.

وبالإضافة إلى دراستي لفن الباليه حيث كان يؤدي تصميماتي فنانو مسرح البولشوي الشهير.

قمت بإخراج خمس مسرحيات درامية باللغة العربية في المركز الثقافي المصري في موسكو.

العودة إلى مصر

بعدها عدنا إلى مصر عام ١٩٨٢، قمنا وقتها بالتدريس والتعاون على محاولة إعادة الأسس والقيم التي كانت في حاجة إلى استرجاع مرة أخرى.

فقد تم تعييني عام ١٩٨٢ بعد العودة إلى مصر خبيرًا وطنيًا بالمعهد العالي للباليه بأكاديمية الفنون بالقاهرة.

ثم حصلت بعد ذلك على كل من لقبي أستاذ مساعد ثم أستاذ في قسم الإخراج بالمعهد العالي للباليه عام ١٩٩٠.

عن المسرح..

اتجهت وقتها إلى العروض الكوريوغرافية وهي ليست عروض باليه كاملة لكنها تعتمد على التعبير الجسدي بالرقص والبانتومايم.

أي الحركات التعبيرية التي تستخدم الرقص وإشارات الوجه ولغة الجسد.

وخلال الفترة (١٩٨٣ حتى ١٩٨٨) صممت عدة لوحات حركية تعبيرية في مسرحيات درامية وأخرجت عدة عروض دراما موسيقية حركية

الحركات التعبيرية في العروض الدرامية

“منين أجيب ناس” تأليف نجيب سرور وإخراج منير مراد، قصر ثقافة الريحاني، عرضت عام ١٩٨٣.

“الليلة فنتظية” تأليف سمير عبد الباقي وإخراج سمير العصفوري والتي عرضت بقصر ثقافة الغوري عام ١٩٨٤.

أهل الكهف ٧٤، لمحمود دياب وإخراج علي عبد العزيز، عرضت بمسرح النادي بالاسماعيلية ١٩٨٥.

وفي الكويت شارك في حلوة يا دنيا لحيدر البطاط، وإحنا شباب الديسكو لفوزي الغريب، ومهاجر بريسبان لجورج شحاته.

وفرسان بني هلال لسيد حافظ، وأوبريت الحب الكبير لحسن يعقوب العلي، الذي كان عام ١٩٨٨ ويعد الأخير من مشاركاتي في المسرحيات الدرامية

أما عروض الدراما الموسيقية الحركية

شبح الأوبرا، في مسرح الدسمة بالكويت والمسرح القومي بالقاهرة عام ١٨٩٨، والملك لير ١٩٩٩ (في إطار أكاديمي، وأثناء احتفال المعهد بيوم المسرح العالمي، وافتتاح المهرجان المسرحي الكويتي العاشر ٢٠٠٨).

مكبث في افتتاح المهرجان المسرحي الخليجي العاشر لعام ٢٠٠٩.

والعرض الأخير كان البؤساء لڤيكتور هيوجو عام ٢٠١٨.

لماذا اتجهت إلى روسيا بالتحديد وليس الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى؟

لأن الباليه الكلاسيكي الذي كنا ندرسه بلده الأهم روسيا، والعالم كله يعترف بذلك، وكل من الأوربيين والأمريكيين يعتمدون أساسًا على الروس في تدريبهم.

لكن الفرق أن في هذه البلاد انتشر فيها الباليه الحديث الذي يتحرر من صعوبة الكلاسيك.

وأنا لست ضده أبدا، بل أن هذا الفن استطاع أن يضيف الكثير من الوسائل التعبيرية لفن الباليه.

ولما كانت دراستي كاملة في الباليه الكلاسيكي، بالتالي لم أرغب في التغيير، لذلك اتجهت لعاصمة البلد صاحبة الشهرة الأكبر في الباليه الكلاسيكي.

وحتى الآن لا يزال ذلك منطقيًا.

خلال حياتك.. ما الصعوبات التي واجهتك مع الباليه؟

خلال فترة الدكتوراه، والتي كانت بعنوان “قضايا خلق مدرسة الباليه القومي في مصر”، وكلمة مدرسة هنا لا تعني فصول الدراسة وإنما الاتجاه الفني.

ركزت اهتمامي على كيفية الاقتراب من الجمهور وتقديم الشخصيات والمشاعر والأحداث والروح المصرية.

ومن ثم قابلت بعض الصعوبات مثل عدم توفر موسيقى خاصة بالباليه، ففي تاريخ الباليه لا يوجد باليه إلا وله موسيقى خاصة به.

لكن على مدار تاريخ الباليه في مصر لم يوجد هناك وقتذاك من خريجي الكونسرفتوار من اهتم بموسيقى الباليه.

هناك أيضا قضية كتابة سيناريو الباليه( الليبرتو)، أن الباليه كان كثيرا ما يلجأ إلى الأدب والمسرح أو الأسطورة، وقليلًا نسبيًا ما كان له مواضيع درامية خاصة به.

بالطبع فيما بعد أصبح للباليه كتاب لبيرتو موهوبون ممن يكتبون أعمالًا درامية خاصة بالباليه.

ولذلك نشرت نموذجا لاستخدام الأدب المصري وتحويله إلى لبيرتو باليه.

وهو لبيرتو حسين وعزيزة ٢٠٠٥، وهو عن قصة قمر في الفجر للكاتب الكبير لطفي الخولي.

لماذا اعتبرت عملك حسين وعزيزة إعادة صياغة لقصة الكاتب لطفي الخولي “قمر في الفجر” وليس عمل درامي جديد؟

في البداية يجب الإشارة إلى أن الفرق بين الأدب والمسرح يتجسد في أن الأدب دائما يصف ما يحدث.

ولكن المسرح عمومًا يقوم على الفعل، وفي الباليه بصفته مسرحًا لا يستخدم الكلمة، فتحكمه صيغة المضارع في كل مشهد من مشاهده.

وقد يكون المشهد حلمًا أو قد يكون كابوسًا ولكنه أثناء عرضه يكون بالنسبة للجمهور في زمن المضارع.

وبالتالي ليس من السهل أن يكتب دراما الباليه أي شخص.

بل لابد من يكتبه أن يملك الموهبة والمعرفة والقدرة حتى يستطيع فهم تلك اللغة وتحويلها.

في رأيك مَن من الأدباء في مصر والوطن العربي من الممكن تحويل أعمالهم إلى دراما باليه (ليبرتو)؟

خيال مبدع في الباليه هو الذي يحدد ما العمل الذي يستلهمه.

وبالتالي فالأهمية الأكبر تكمن ليس في العمل الأدبي نفسه بشكل كامل، ولكن الأهم هو الاستلهام، فلكل مبدع خيال ورؤية.

لم يكتب أحد بالعربية حتى الآن ليبرتو باليه غير هذا الذي كتبته أنا، ولكن التاريخ به العديد من الكتاب في البلاد الأخرى الذين كتبوا لبيرتو الباليه.

الأهم أن يكون الكاتب عارفًا بفن الباليه وأنواعه وأدوات تعبيره.

وعلى سبيل المثال إذا ما قارنا بين قصة سندريلا ورواية الأبله لدوستويفسكي أدبيا.

نجد أن قصة سندريلا قصة أطفال غاية في البساطة، وأن الأبله قمة التعقيد، ورغم ذلك تم استلهام كليهما لمسرح الباليه.

بالنسبة للمسرح الراقص هل الأفضل الطابع الدرامي الحواري أم الاستعراضي الحركي؟

كل فن له حق الحياة، أما عمر كل فن في التاريخ فتحكمه أمور عديدة، كالثقافة والظروف المحيطة وهل العمل مبدع ومقبول من الجمهور أم لا.

فهل مثلا لابد أن تكون الموسيقى سوناتا أو أوركسترا أو سيمفونيه فقط؟ بالطبع لا، ذلك التنوع ينطبق أيضا على المسرح بأشكاله المختلفة.

فلا توجد شروط صارمة للابداع، كل فن من حقه أن يعيش دون أن يتدخل أحد في منعه، وأتمنى أن يتحقق ذلك في أي فن سواء كان موسيقى أو شعر أو تمثيل أو باليه…إلخ.

الباليه والمسرح الراقص..

هناك أيضا نقطتان يجب أن ننتبه إليهما وهما أولا إن الباليه ليس رقص، الباليه مسرح فيه رقص وبانتومايم، بسبب أنه ليست كل الحركة فيه رقص، إن الباليرون أو الباليرينا ليسا مجرد راقص باليه أو راقصة باليه، بل هما فنانان في مسرح الباليه.

ما الفن الأصعب.. الباليه أم المسرح الراقص؟

الباليه هو الأصعب على الإطلاق، وخاصة الباليه الكلاسيكي الذي قدمناه في بداية حياتنا.

حتى أن كل فرق الباليه الحديث تتدرب على أساسيات الكلاسيك، ذلك أنه بناء جسد وروح فنان الباليه سواء كان باليرون أو باليرينا.

في رأي حضرتك.. ما الجهود أو الأفكار التي من الممكن أن تحيي الباليه بمصر مرة أخرى؟

حتى الآن لا تزال هناك فرقة باليه واحدة، وهناك أيضا خطط لمحاولات إحيائها.

لكن حتى الآن هناك الكثير من العمل لتحقيق هذا الهدف، ويجب أن تتعدد الفرق، فمصر غنية بالمواهب وثرية بجمهورها.

ذلك أن الأساس الذي بنيت عليه فرقة الباليه الأولى كان الباليه الكلاسيكي.

أما ما يقدم الآن يقوم بعضه على الباليه الحديث، الذي تحرر من صعوبة الكلاسيك.

ليس بمقدور أي من فناني الكلاسيك أن يؤدي دور في الباليه الحديث والعكس.

لكن هناك أيضا خلط ما بين النوعين، وذلك يختلف من فرقة لأخرى.

في أعمالك.. هل هناك حكمة أو عبرة ثابته تريد إيصالها للناس أم أن كل مسرحية تنفرد بحكمة مختلفة؟

كل عمل له فكرته الخاصة به، لكن الهدف عندي أن من الممكن للمثل إذا تم تطوير إمكاناته يستطيع أن يستخدم جسده كأداة معبرة على أعلى مستوى.

لأن في قضايا المسرح في الوطن العربي مثلا كان يطغى عليه صفة الخطابة والوعظ، فكان الفنان مفتقدا للغة الجسد التعبيرية.

لذلك دائما ما أسعى من خلال أعمالي وتلامذتي إلى الارتقاء بالتعبير من خلال لغة الجسد إلى أقصى حد عند الممثل الذي ليس براقص باليه.

لماذا فقدنا فناني الباليه المحترفين؟

إذا نظرنا إلى تاريخ فن الباليه في مصر، سنجده ليس تاريخًا طويلًا وأن الأحداث كانت صعبة على هذا الفن.

بداية من حريق الأوبرا وعدم وجود مسرح، حتى التخلص من الخبراء الروس الذين هم خبراء ذلك الفن، وهجرة كوادر فن الباليه خارج مصر، اشتد الأمر صعوبة.

هل ممكن أن نلق على الجمهور اللوم في إهماله فن الباليه؟

في البداية يجب الإشارة إلى أن كل فن الشرط الأساسي فيه هو الجماليات، فحتى القبيح في الفن جميل.

والأفكار شرط أساسي في الفن، لذلك يجب على كل فنان في أي مجال أن يهتم ببقية الفنون الأخرى.

ففنان الباليه يدرس الحركة والديكور المسرحي والتمثيل والموسيقى، أيضا كل فنان آخر يجب أن يعرف كل الفنون.

أما الجمهور ففي الغالب هو ضحية وليس من الممكن أن نلومه، وحتى لا نتهمه يجب أن نسأل أنفسنا..

هل متاح للجمهور أن يتذوق الفن؟ وهل لديه خلفية معلوماتية تمكنه من مشاهدة المسرح باستمرار، بالطبع لا، بالتالي فالظروف هي التي حكمت عليه.

وأيضا لأن الثقافة تبنى على وقت الفراغ، فإنه عندما يعاني الناس اقتصاديًا تضطر أن تلهث من أجل لقمة العيش على حساب الثقافة.

يحيى عبد التواب
دكتور يحيى عبد التواب مع الباليرينا المصرية ماجدة صالح في فقرة العمياء

 

الرئيس جمال عبد الناصر وحرمه ودكتور ثروت عكاشة خلال مشاهدة العرض

 

يحيى عبد التواب
نوط الاستحقاق الذي منحه الرئيس جمال عبد الناصر إلى الباليرينو يحيى عبد التواب

 

الباليرينو يحيى عبد التواب في دور جيري والباليرينا ودود فيظي في دور زاريما من عرض نافورة باختشي سراي

 

يحيى عبد التواب
دكتور يحيى عبد التواب مع الفنانة رتيبة الحفني والفنان أشرف عبد الغفور أثناء تدريبهما على رقصة الفالس

 

يحيى عبد التواب
دكتور يحيى عبد التواب

بعد اختيارها ضمن أكثر الشخصيات المؤثرة بالعالم.. دينا أيمن أصغر مهندسة بميكروسوفت في حوار خاص للمحايد