علم الجينوم كيف يعمل وماهي إسهاماته العلاجية في الطب الحديث اليوم
علم الجينوم هو البصمة الوراثية ليس للفرد فقط، بل هو”المكوِّن الأساسي للبصمة الوراثية لمجتمع قائم بنفسه”، وتأتي أهمية هذا العلم من كشف الأسرار الجينية حول كل شعب منفرد بذاته، وكأنك تمتلك مفتاح لفك شفرة الخبايا الوراثية من استعدادات جينية لمستقبل صحي ونفسي معين، والمتعارف عليه أن كل إنسان يمتلك خزانًا من معلومات وراثية معينة تكتب بشفرة كيميائية تعرف بالحمض النووي” DNA” وهي مجموعة الصفات الموروثة الموجودة في كل خلية، والتي تتكون بدورها من خيوط متشابكة، هذه الخيوط بدورها تتشكل من حروف، تلك الحروف هي المكونات الجينية لهذا الحمض النووي، وعملية تفاعلها مع بعضها البعض ومع البيئة لجعل الإنسان على ما هو عليه، يوضح ماهية الجينوم.
بداية علم الجينوم
بدأت الدراسات العميقة حول الأبحاث الجينية في بداية الثمانينات، ومع بداية التسعينيات تطورت لتشمل بعض الأمراض الوراثية المحدودة جدَا، وتبلورت الرؤية النهائية لانطلاقة المشروع البشري لعلم الجينوم البشري عالميًا في 2003 واعتبرت ولادة “الطب الجيني”.
أما على مستوى العالم العربي فقد تبنت المملكة العربية السعودية المشروع عام 2013، وتم تأسيس المختبر المركزي للجينوم البشري السعودي عام 2018 ليكون واحدًا من أهم المشروعات الهادفة إلى الإرتقاء بمستوى العيش والصحة في المملكة.
بدأ مشروع الجينوم الإماراتي عام 2019 بدراسة 50 ألف جينوم إماراتي.
لحقتها قطر عام 2020 بإنجاز 20 ألف تسلسل جينوم قطري.
في الجمهورية العربية المصرية تم تدشين مركز الأبحاث الخاص الجينوم المصري عام 2021.
مما يتكون علم الجينوم وكيف يعمل في الجسم
يتكون جسم الإنسان من مجموعة كبيرة من الخلايا، وكل خلية تحتوي مجموعة هائلة من الجينوم الخاص بها، ويحتوي الجينوم البشري على 3.2 مليار حرف وحوالي 20 ألف جين “مورثة” وكل فرد يملك جينوماً فريداً خاصاً به.
بدايًة تتكون الجينات “المؤثرات” من الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (DNA) من خيوط تعتبر البناء الرئيسي الحمض النووي التي تتكون من أسس نوكليوتيد وهي عبارة عن أربعة أحرف:
- أدينين “A”
- سيتوزين “C”
- جوانين “G”
- ثايمين “T”
وتشكِّل الخلايا المترابطة فيما بينها الأنسجة، والأنسجة المترابطة تشكِّل الأعضاء، والأعضاء بمجموعها الكامل تشكِّل الكائن الحي، وكل هذا الفضل يعود للجينوم.
تحدث الأمراض الوراثية بسبب طفرات في سلسلة الحمض النووي، التي تترجم البروتينات بطريقة غير صحيحة، ما يسبب حدوث خلل في البروتين الناتج، وتغيّر في خصائصه الفيزيائية والكيميائية، وبالتالي التأثير في وظيفة البروتين الأساسي في الخلية، فيحدث المرض الذي تعتمد شدَّته على مدى أهمية البروتين المصاب ودوره الوظيفي داخل الخلية.
ما هي وظيفة علم الجينوم في الطب اليوم وماهي الطرق العلاجية
يقوم علم الجينوم من خلال استخدام الاختبارات الجينية في تشخيص الأمراض الجينية المختلفة، بدابةً من الإصابات البسيطة مثل التليف الكيسي، فقر الدم المنجلي، أو مرض تاي ساكس.
إلى الحالات الأكثر تعقيدَا مثل الأفراد الذين يعانون من طفرات معينة في الورم قمع “BRCA1″ أو BRCA2” لقراءة جينات النساء الأكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي من الذين ليس لديهم هذه الطفرات، مما يساعد في تحديد قابلية حدوث طفرة عند أصحاب هذه الجينات، مما يستدعي تدخل وقائي.
توفر بعض الاختبارات الجينية اليوم معلومات عن خطر إصابة الفرد بأمراض القلب والسكري من النوع 2 مستقبلًا.
بالإضافة إلى التنبؤ بامكانية حدوث المرض، واتخاذ الإجراءات الوقائية ، يتم استخدام الطب الجينومي لإدارة العلاجات الشخصية للمرضى والتي تكون أكثر فعالية من العلاجات التقليدية، و تسبب آثارًا جانبية أخف.
وبذلك يعد علم الأورام أحد المجالات الرائدة في تطبيق الطب الجينومي، من خلال تتبع العينات من ورم المريض، مما يمكن الأطباء بالتوصية بعلاجات معينة بناءً على الطفرات التي يمتلكها الورم بعينه، وبذلك فإن العلاجات تستهدف الورم الخاص بالطفرة التي تميزه عن الخلايا الطبيعية في الجسم.
يبحث علم الصيدلة الجيني حاليًا في الطب النفسي، حيث اقترحت الدراسات الحديثة أنه يمكن استخدام الملف الجيني للفرد لتحديد أي من مضادات الاكتئاب والأدوية المضادة للذهان ستكون أكثر فعالية بالنسبة لهم.
يعد العلاج الجيني أحد أكثر الطرق العلاجية تطورًا، حيث يتم علاج الخلل عن طريق إدخال جين في خلايا المريض أو تعطيل الجين الذي يعمل بشكل غير صحيح، ومن الطرق الشائعة للقيام بذلك الاستفادة من أنواع معينة من الفيروسات التي تغزو الخلايا وتحقن الحمض النووي الخاص بها في كروموسومات الخلية، يستخدم العلماء فيروسات معدلة تحقن شفرة جينية مفيدة بدلاً من موادها الجينية لإصلاح الجينات التي تعمل بشكل خاطئ، والتي تمكنهم من علاج الأمراض الوراثية، و في هذا الوقت نجد حفنة من العلاجات الجينية المعتمدة من قبل إدارة الأغذية والعقاقير للاستخدام السريري في الولايات المتحدة لعلاج حالات مثل ضمور العضلات الشوكي أو ضمور الشبكية، ومع ذلك فإن العديد من العلاجات الجديدة تخضع حاليًا لتجارب سريرية.
المجالات التي أسهم في تطورها علم الجينوم
مجال الأدوية
يستخدم العلماء بيانات الجينوم البشري في تحديد أهداف الأدوية وتقييمها، وتطوير علاجات جديدة، تساعد البيانات الجينومية العلماء في تطوير أدوية فعَّالة وعلاجات أكثر تخصصًا، بالإضافة إلى فحص الأدوية المحتملة واختبارها.
علم الطب الشرعي
يدرس علماء الطب الشرعي البيانات الجينومية لتحديد هوية المشتبه فيهم في القضايا الجنائية، يمكن بيانات الحمض النووي أن تربط بين المشتبه فيهم ومواقع الجريمة وتبرئة الأشخاص الأبرياء.
علم الوراثة السكانية
تُستخدم البيانات الجينومية في دراسة علم الوراثة السكانية ويحصل الباحثون على رؤى حول الهجرة البشرية والتطور السكاني من خلال تحليل بيانات الجينوم البشري.
تحديد البصمة الوراثية لكل مجتمع
في دراسة مصرية لتأسيس قاعدة بيانية جينومية، تم تعيين التسلسل الجينومي لدى 100 ألف شخص من المصريين البالغين الأصحَّاء ظاهريًّا، و8 آلاف شخص ممَّن تُحتمل إصابتهم بأمراض جينية، إضافةً إلى 200 من المومياوات المصرية القديمة.
وفي نفس السياق تم الدراسة لمشروع الجينوم البشري السعودي، من خلال تحديد أكثر من 1.7 مليون نيكلوتيدة متعدِّدة التشكل (SNP)، والتي يمكن اعتبارها المكون الرئيسي للبصمة الوراثية للمجتمع السعودي، وهي نتيجة قراءة الجينوم لـ 48 مواطناً سعودياً من الأصحاء وقت مشاركتهم في المرحلة الأولية للمشروع.
خطورة علم الجينوم
تطور علم الجينوم سيكون له الفضل في علاج الحالات المستعصية، لكن خطورته تكمن في حفظ المعلومات الجينية الخاصة بكل فرد، إذا كان للفرد تسلسل جينوم خاص به، فعليه أن يعي مع من سيتمكن مشاركته هذه البيانات.
تسعى العديد من شركات الاختبارات الجينية الحالية المباشرة للمستهلكين بيع بيانات المستخدمين لشركات الأدوية، وبقدر ماهو ضروري تأمين المزيد من البيانات الجينومية للباحثين، يتعين على الأفراد معرفة أن بيانات الجينوم الخاصة بهم ملك لهم، لذلك يجب أخذ الحيطة ممن يمكنه الوصول إلى بياناتك بالضبط، لهذا السبب فإن بعض المنصات، تمنحك خيار مشاركة بيانات الجينوم المجهولة الهوية الخاصة بك مع الباحثين على أساس كل حالة على حدة و تكافئك إذا اخترت مشاركتها معهم.
بالإضافة إلى ذلك و اعتمادًا على المكان الذي تقيم فيه، قد يكون من الممكن لشركات التأمين استخدام بياناتك الجينية لتحديد الأسعار لك.
ففي الولايات المتحدة، قانون عدم التمييز بشأن المعلومات الجينية لعام 2008 يمنع شركات التأمين الصحي من التمييز ضد الأفراد بناءً على بياناتهم الوراثية، ومع ذلك لا يزال بإمكان الفروع الأخرى من شركات التأمين مثل التأمين على الحياة أو الإعاقة، استخدام بياناتك لتحديد الأسعار إذا رغبوا بذلك.
في نيبولا يتم تطوير تقنيات التشفير للتأكد من أن الفرد وحده، مع من يختارهم فقط لمشاركة بياناته معهم يمكنهم من رؤيتها.
في النهاية يمتلك الطب الجينومي القدرة على إجراء تغييرات إيجابية غير عادية في الرعاية الصحية إذا تم توفير المزيد من البيانات الجينية للباحثين، ولكن يجب أن يتم التأكد من استخدام هذه البيانات بشكل أخلاقي.
أهمية تقنية كريسبر كاس”المقص الجيني” في علم الجينوم
تعتبر تقنية كرسبر كاس من أقوى الأدوات في تحرير الجيني البشري، فقد مكنت العلماء من تعديل تسلسل الحمض النووي الريبوزي؛ لتمنحهم القدرة في التدخل في التحولات الجيني؛ مما أحدث ثورة في علاج الأمراض الوراثية مثل فقرالدم المنجلي، وتلاسيميا بيتا، وقد تم استخدام هذه التقنية عام 2020 في علاج حالة نادرة تسبب عمى الأطفال، حيث تم القضاء على تحول جيني يسبب تلك الآفة.
الجينوم البشري في شريحة خماسية الأبعاد جديد علم الجينوم 2024
تم تجميع تسلسل 3 مليار من الجينوم البشري على شريحة واحدة وذلك في جامعة ساوثهامبتون؛ بسعة تخزين تصل إلى 360 تيرابايت من البيانات، وتحتمل تغيرات عوامل الطبيعية من حرارة عالية أو درجات شديدة البرودة، و لديها أيضًا حصانة ضد الإشعاعات الكونية، حيث تمتلك هذه الشريحة البلورية قدرة فريدة بذاكرة خماسية الأبعاد “D5″خُزن عليها تسلسل الجينوم الكامل للبشرية.
و قد صرح قائد الفريق البحثي كازانسكي بأن هذه البلورة تعتبر الخزينة الدائمة للمعلومات الجينية، ويمكن من خلالها استعادة الكائنات الحية أيضًا من الانقراض.