ما وراء لغز الأمطار الحمراء
سقوط الأمطار الحمراء كالدماء من السماء ظاهرة جوية غريبة تكررت عبر التاريخ. وبسبب ندرة وهيبة هذه الظاهرة تفسر غالباً كسخط من الله أو نتيجة لذنوب عباده.
ظاهرة أدت للانتحار
فحين أمطرت السماء دماً على مقاطعة بروفنس في فرنسا عام 1001 انتحر بعض القساوسة خوفاً من غضب الله، فمنذ ان بدأت ظاهرة هطول المطر الأحمر في الهند عام ٢٠٠١، تواترت النظريّات التي افترضت أن هذا المطر الغريب يحتوي على خلايا عضوية غير موجودة على سطح الأرض! و قد برزت الآن ادلّة جديدة تثبت ان هذه الخلايا قابلة للتكاثر، ممّا اعاد احياء الجدل القائم حول هذه الظاهرة الغريبة!
نظريات الأمطار
هناك نظريّة شائعة تعرف بال”بانسبيرميا” تفترض ان الحياة موجودة في المذنّبات و النجيمات و غبار الغيوم النجميّة، و بالتالي فبذور الحياة على الأرض قد تكون نشأت من هذه المصادر! و تذهب هذه النظريّة الى حدّ اعتبار البشر كائنات فضائيّة! ،فهناك الكثير من الحشرات المتنّعة بإمكانها ان تعيش لسنوات في ظروف الفضاء المناخيّة القاسية! و من الحقائق العلميّة المثيرة ان مذنّبات كوكب المرّيخ التي اثبتت وجود حياة عضوية على هذا الكوكب، هي حرارتها المعتدلة التي لا تتجاوز ٥٠ درجة مئويّة! اذاً في حال وجود حياة على هذا الكوكب، فهي قادرة على الصمود في رحلتها الى كوكب الارض!
اكتشافات العلماء
فقد توالت الاكتشافات المذهلة، و آخرها ان هذه الجراثيم تتكاثر بحرارة مرتفعة تصل الى ١٢١ درجة مئويّة، و تتزايد اعدادها بوتيرة تصاعدية تفوق سرعة تكاثر الخلايا الحيوانيّة المعروفة على سطح الارض! و هذا الاكتشاف يتعارض مع معظم الحقائق العلميّة المعروفة حول درجة الحرارة المعتدلة و سرعة التكاثر الطبيعية لدى مجمل الطفيليّات المجهرية على سطح الارض!
لكن هذه المفارقات غير كافية للتأكيد بشكل قاطع ان هذه الخلايا الحمراء هي ذات منشأ فضائي، بالرغم من ان عدداً متزايداً من علماء الاحياء يشيرون بشكل واضح الى هذا التفسير الغريب الذي يقلب جميع المقاييس،من المنطقي التأكيد ان براهين جديدة يجب ان تظهر الى العلن قبل تفسير ظاهرة المطر الاحمر! لكن بإنتظار نتائج علميّة قاطعة تستبعد المنشأ الارضي لهذه الخلايا بشكل قاطع و غير قابل للجدل، ستظلّ هذه الظاهرة الغريبة لغزاً مثيراً لا يمكن تفسيره!
غرائب الظاهرة الحمراء
فقد تتكرر ظاهرة المطر الدموي بشكل نادر وعلى فترات زمنية متفرقة في التاريخ فأقدم حادثة يمكن التأكد منها فهي ابتلاء الله لأهل مصر بنزول الدماء عليهم زمن موسى عليه السلام {فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين}.. وبعد هذه الحادثة بأربعة آلاف عام وثق عالم الطبيعة الإنجليزي فيليب جوس سقوط مطر غريب على لندن صبغ على اثره الشوارع والبيوت والأشجار بلون أحمر محروق.. والغريب أنه تحدث أيضاً عن سقوط فراشات نافقة برفقة هذا المطر – مما أعطى الحادثة اسمها الشهير «دماء الفراشات».. وحكاية الفراشات هذه تذكرنا بحادثتين مشابهتين أوردهما المؤلف فرانك كراون في كتاب الحقائق العجيبة لتاريخ الحشرات (أو Curious facts of History of insects). فقد تحدث عن سقوط مطر أحمر برفقة فراشات ميتة فوق ليفربول عام 1017 ومطر أحمر مشابه على ضواحي ديتون عام 1780!!
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تحدث فيها ظاهرة المطر الأحمر فقد سقطت أمطار أشبه بالدم في كيرالا في الهند عام 2001 لطخت ملابس السكان باللون الأحمر. وقد اشتبه الباحثون بأن سبب الأمطار الحمراء قد يكون غبار نيزك، فيما قالت الحكومة الهندية أنه من جراثيم الطحالب المحمولة جوًا.
ما وراء الأمطار الحمراء
فقد قام أحد السكان الفضوليين في زامورا بإرسال عينة من هذا المطر إلى باحثين في جامعة سالامانكا، وقد وجدوا فيها جسيمات يطلق عليها طحالب المياه العذبة الخضراء حيث تحولت إلى اللون الأحمر في وقت الضغط الكيميائي. اللون الأحمر أتى من صبغة الكاروتين تُسمى أستازانتين.
لكن الغريب في الأمر أن هذا النوع من الطحالب لا يعيش في زاموارا، كما أنه لا يمكن أن يوجد في الأجسام القريبة من الماء، وقال الباحثون أن هذه الطحالب لا بد وأنها سافرت من أماكن بعيدة قبل سقوط المطر بوقت. وقد حاولوا البحث في اتجاهات الرياح في تلك الفترة لمعرفة مصدر هذه الطحالب.
كما أن عالم الارصاد الجوية راي لانكستر قد افترض عام 1992 (في كتابه Secrets of Earth and Sea) ان هذا النوع من الأمطار تتسبب به حشرات وابوغ صغيرة حمراء تذوب في قطرات الماء، ولكن الحقيقة هي أن «المطر الأحمر» ظاهرة جوية طبيعية وأبسط كثيراً مما تعتقده معظم الثقافات.. بل يمكن القول إن (الملوثات الجوية) قد تصبغ الأمطار بعدة ألوان أخرى كالأصفر والأخضر والأزرق والأسود – مثلما تصبغ أمطارنا المحلية بلون أصفر أو بني بسبب العجاج وسحب الغبار..
فالملوثات الصناعية والسحب البركانية والأحوال الجوية المتطرفة أسباب رئيسية لتلون مياه الأمطار.. وما يحدث هنا أن المطر قد يصادف أثناء نزوله سحابة كيميائية (تسبب بها بركان يبعد آلاف الأميال) فيختلط بمكوناتها وينزل بلون الأكاسيد الحمراء.. كما يمكن أن يختلط أثناء نزوله بدخان المصانع ومعامل التكرير فينزل بأي لون يخطر ببالك (حسب طبيعة الذرات الكيميائية التي يحملها الدخان نفسه)..
الطريف أنك لو سألت أي طفل (يعيش في مدينة مانتا بشرق الاكوادور) عن لون المطر لأجابك بلا تردد «أحمر»، فالتلال المحيطة بهذه المدينة مكونة من تربة بركانية حمراء بحيث تسيل الجداول بهذا اللون.. وفي نفس الوقت تنفث مصانع الطوب (التي تعتمد على هذه التربة) أبخرة داكنة تختلط مع المطر فتنزل باللون الأحمر.. وهكذا قد لا يصدق أي شيخ عجوز – لم يغادر في حياته مدينة مانتا – أن الأمطار تسقط في مكان آخر بغير هذا اللون!!