محمد إبراهيم للمحايد: هجرتي لأسباب مادية وإجتماعية
على مر سنوات طوال ظل قرار الهجرة إلى الخارج حلما يسكن عقل الكثير من الشباب المصري والعربي من الذين قرروا البحث عن فرصة أفضل للعمل والعيش في بلد آخر، خاصة إذا كان بلدا أوروبيا، يرى كل منهم، رغم اختلاف التفاصيل، أن هذا الاختيار كان هو الأنسب، من هؤلاء الشباب، محمد إبراهيم، طبيب صيدلي، قرر منذ عدة أعوام الهجرة إلى ألمانيا، فكيف كانت تجربته؟ هل كانت تستحق المحاولة، أم أن الاغتراب لم يكن بالأمر السهل؟ هذا ما سنعرفه منه خلال الحوار التالي.
بعد مرور سنوات من العيش في ألمانيا، هل مازال محمد إبراهيم مقتنعا بفكرة الهجرة إلى الخارج؟
من حيث الفكرة نعم، ففي بعض الأحيان تكون الهجرة إلى الخارج أو السفر هو الحل الأفضل في فترة معينة من حياة الإنسان، ولكن بالنسبة لتطبيق الفكرة على أرض الواقع، فهي بالتأكيد لن تكون مناسبة للجميع، فظروف كل شخص تختلف عن الآخر، هل هو متزوج أم لا؟ هل لديه أبناء؟ هل يمتلك من المرونة النفسية ما يجعله يستطيع مواجهة صعوبات الحياة والتحديات التي سيواجهها في الخارج ومدى تقبل المجتمع الجديد له؟
ما هي المميزات والعيوب من وجهة نظرك؟
بالحديث عن المميزات، فمن أهما هنا في ألمانيا هو وجود نظام صارم لكل شيء لدرجة قد يراها البعض معقدة، ولكنه في الواقع أمر جيد جدا، فأنت تعلم منذ البداية بكل وضوح كل الخطوات التي عليك اتخاذها في أي أمر لكي تصل من النقطة أ إلى النقطة ب، وهذا ينطبق على الجميع، مما يخلق شعورا بالعدالة والراحة لدى الجميع.
يمكننا ملاحظة تطبيق النظام حتى في أبسط الأمور، وهي من المميزات الواضحة للهجرة إلى الخارج، فمثلا إذا تحدثنا عن موضوع النظافة، هنا الجميع يتبع النظام، توجد صناديق خاصة بكل نوع من أنواع النفايات يقوم كل ساكن بتصنيفها بنفسه أولا قبل أن تأتي الشركات المختصة وتفرغها، ومثال آخر، عندما يحدث ازدحاما مروريا، تجد كل السيارات تنتظم في صفين على جانبي الطريق وتترك منتصف الطريق خاليا لتسمح بمرور سيارات البوليس أو الإسعاف أو المطافئ.
أما بالنسبة للعيوب، فإنك أحيانا تكون مضطرا لقبول بعض المواقف المؤلمة التي لم تكن ستواجهها في بلدك، وأوضح مثال على ذلك هو العنصرية، خاصة بعد تقدم الحزب اليميني “اف بي او” بشكل ملحوظ في الانتخابات الأخيرة، والذي من المتوقع أن يتقدم أكثر وأكثر في الأعوام القادمة، فالشعب الألماني لا يتقبل الأجانب بسهولة.
ما الذي وجدته هناك جعلك تقرر الاستمرار، وما الذي افتقدته مما اعتدت عليه طوال سنوات حياتك في مصر، وتتمنى لو كان موجودا؟
أفتقد أشياء كثيرة بالطبع، ولكن تندرج كلها تحت بند المشاعر والذكريات، الابتعاد عن والعائلة والأصدقاء ليس بالأمر السهل، مما هوّن عليّ الأمر هنا هو وجود زوجتي وأبنائي، فبدونهم كانت ستصبح الحياة أصعب بكثير، لكني لازلت أشعر بالاشتياق والحنين الشديد للأهل في مصر، ومهما حاولت أن اعتاد على الأمر فإن شعور الاغتراب صعب، ووجودي بجوارهم لا يعوضه أي شيء آخر، كما أنني أفتقد بشدة أجواء رمضان والعيد وكل ما يعبر عن ثقافتنا العربية بشكل عام.
تختلف الأسباب التي تدفع البعض للهجرة إلى الخارج فماذا كان السبب الذي دفعك لاتخاذ هذه الخطوة؟
كان لدي دافعين أحدهما مادي والآخر اجتماعي، فمن الناحية المادية، لم أجد أجرًا مرضيًا مقابل عدد ساعات العمل الطويلة، بالإضافة إلى عدم حصولي على إجازات، أما الجانب الاجتماعي فلم أجد التقدير الكافي لمهنتي التي أحبها والمجهود الكبير الذي بذلته أثناء سنوات الدراسة، فقررت اتخاذ قرار الهجرة إلى الخارج.
هل اختلاف الثقافات زاد من صعوبة الحياة هناك؟ وهل كان لاختلاف اللغة تأثير كبير؟
بالطبع كان لاختلاف الثقافات تأثير كبير، ولا يزال، وهناك نوعان من المهاجرين الذين رأيتهم يحاولون التكيف والاندماج في المجتمع، نوع ينخرط في الثقافة الغربية بشكل مبالغ فيه ويشارك الغرب في كل عاداتهم وتقاليدهم حتى لو كانت مخالفة لمبادئه وثقافته، وهذا نوع أرى أنه فقد هويته بالكامل ولا أتفق معه، أما الاتجاه الآخر وهو ما أفضله وأحاول أن أحافظ عليه، هو الاندماج بالشكل الذي يحافظ على هويتي الدينية وخلفيتي الثقافية، وألا أخجل أن أقول أني عربي أو مصري أو مسلم بأسلوب لطيف ودون صدام، وأن أحاول بمواقفي وسلوكياتي أن أغير الصورة النمطية الخاطئة لدى الغرب عن العرب.
أما اللغة فكانت عائق كبير جدا أمامي رغم أنني درستها بشكل احترافي في مصر وحصلت على نتائج عالية b1 من معهد جوته، إلا أنني تفاجأت عندما سافرت أنهم يريدون مستوى أعلى من ذلك c1 حتى يقبلوا أوراق العمل، والمفاجأة الأكبر كانت عندما بدأت في العمل، وجدت أن اللغة الفصحى التي درستها لا يفهمها الكثير من الألمان وأن عليّ تعلم اللهجة العامية الألمانية لكي أستطيع التواصل مع الجمهور، وهي لهجة صعبة للغاية، كلفني الأمر شهورا حتى أتعلمها وسنوات لكي أتقنها بشكل كامل.
كيف استطعت الحفاظ على ثقافتك وعاداتك وتقاليدك كونك من بلد عربي، خاصة مع أبنائك في مقابل الثقافة الغربية التي تحمل الكثير من الاختلاف؟
الحمد لله أنا من الأشخاص الذين يحاولون الحفاظ على ثقافتهم العربية، ومع الأبناء أحاول دائما أن أحيطهم بمجتمع صغير من الأقارب يتفاعلون معه باستمرار لكي يحافظون على هويتهم، وذلك بجانب بعض الأنشطة الأخرى كالذهاب إلى الجامع أو مشاهدة المسلسلات والأفلام المصرية والعربية، بالإضافة إلى تعليمهم اللغة العربية أونلاين.
بالطبع سيكون الأمر أسهل إذا كنت متزوجا من نفس ثقافتك، لأنكم ستتفقون في أغلب القرارات الخاصة بتربية الأبناء.
بعد أن جربت عدة أعوام من العمل داخل مصر وخارجها، ما الفرق في العمل في مجال الصيدلة داخل مصر وفي الخارج؟
في الحقيقة وجدت فرق كبير، فتقدير المجتمع هنا ونظرته للصيدلي أفضل بكثير وأتمنى أن تكون موجودة في مصر، وعلى مستوى العمل فالاختلاف هنا أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم صرف دواء بدون روشتة من طبيب متخصص، وبعضها باستشارة صيدلي أو مساعد صيدلي، باستثناء أنواع محددة معروفة ومصنفة تصنيف واضح، وعدد قليل جدا فقط من الأدوية والمكملات الغذائية يمكن صرفها دون روشتة.
الروشتات تُطبع ولا تكتب بخط اليد لكي يكون اسم الدواء واضحا، ومساعد الصيدلي هنا هو شخص متخصص قام بدراسة العلوم الصيدلية في أحد المعاهد المتخصصة، ويقوم الطبيب بتحديد الجرعة للمريض بشكل محدد للغاية، ولمدة لا تتجاوز الثلاثة أشهر، يذهب بعدها المريض للطبيب لتجديد العلاج.
ما هي أكثر الأدوية استهلاكا في الخارج، وما هي أكثر المنتجات التي تحظى بإقبال كبير لدى العملاء هناك؟
أكثر الأدوية شيوعا يقوم بصرفها المرضى هنا في ألمانيا هي أدوية الغدة الدرقية وأدوية الضغط والسكر، بالإضافة بالطبع إلى الأدوية النفسية فهي تصرف بشكل كبير، ولكنه ليس مؤشرا على انتشار المرض النفسي في ألمانيا أكثر من مصر، لأن ثقافة الصحة النفسية هنا أكثر انتشارا.
هل كان الأمر سهلا على محمد إبراهيم أن تتعامل مع مرضى وعملاء من ثقافة، بل ثقافات مختلفة، ماذا يختلف في طبيعة المرضى الأجانب؟ هل وجدت فرق في التعامل معهم؟ وماذا تفعل إذا صادفتك مشكلة مع أحد المرضى أو العملاء؟
لم يكن التعامل مع المرضى والعملاء سهلا في البداية، فهم لا يتقبلون التعامل مع الأجانب بسهولة، وهذا من أبرز تحديات الهجرة إلى الخارج، وإذا كانت لغتك ضعيفة فإن ذلك سوف يبني حاجزا أكبر، فلابد أن تتدرب على التواصل بشكل صحيح لغويا وبصوت واضح وأن تتحدث بثقة.
الفرق بين المرضى أن المريض في ألمانيا يكون لديه خلفية جيدة عن الدواء الذي يريده ويقرأ عنه قبل أن يأتي.
أما عن المشكلات فهي تحدث كل يوم، ولابد من استيعاب المرضى وعدم الانجراف نحو الجدالات الخاصة بالدين والخلفية الثقافية، أغلب الأحيان ينتهي الأمر بسهولة وهدوء، ولكن في بعض الحالات كنت أضطر أن أرد بشكل حازم، وقد يصل الأمر إلى طلب البوليس.
هل كان اختيار محمد إبراهيم للعمل كطبيب صيدلي في ألمانيا اختيار ناجح؟ أم أنه مجال متشبع هناك، أو يصعب على الأجانب من خارج البلد العمل فيه؟
بالنسبة لي لم يكن لدي خيارا آخر، وهي مهنتي التي أحبها وعملت فيها لسنوات قبل الهجرة إلى الخارج، فكانت بالنسبة لي هي الأفضل، أما عن التشبع فبالعكس هناك عجز كبير في الصيادلة وفي العمالة بشكل عام، حتى أنه أصبح هناك مؤخرا تسهيلات كثيرة لإصدار فيزا البحث عن عمل.
ماذا يستطيع أن يفعل من يفكر في الهجرة، للحصول على هذه الفرصة؟
أولا أحب أن أوضح أن طبيعة العمل في ألمانيا شاقة للغاية ولا يوجد تهاون، لا بد أن تكون مستعدا لذلك، كما أنك لابد أن تتقن اللغة الألمانية، فهناك أشخاص ناجحون جدا في تخصصهم لكنهم لن يستطيعوا العمل إذا لم يتدربوا على استخدام اللغة بشكل جيد، والبعض بالفعل اضطرهم الأمر الرحيل والبحث عن بلد آخر بسبب صعوبة اللغة.
ماذا تنصح كل من قرر الهجرة قبل القيام بهذه الخطوة؟
لا تقلد أحدا، الناس مختلفون في ظروفهم، لا تتخذ قرار الهجرة إلى الخارج لمجرد أنك مللت أو لأنك تواجه مشكلات في عملك، فكل البلاد بها الكثير من المنغصات، عليك أن تكون فعلت كل ما تستطيع ولم يعد أمامك اختيار غير الهجرة، بشرط ألا تكون فقدت شغفك وطاقتك لأنك إن سافرت وأنت محبط فسوف تفشل، لا بد أن يكون لديك الحماس للبدء من جديد.
ثانيا يجب أن يكون لديك رؤية واضحة، ماذا تريد أن تعمل هناك بالضبط؟ وما هي خطتك الزمنية؟ ما نوع التعليم الذي ستختاره لأبنائك؟ كيف ستقوم بدفع الضرائب؟
إذا كان وضعك في بلدك جيدا أو مقبولا لا تجازف بالهجرة إلى الخارج، فقد يكون هذا أفضل بالنسبة لك، الأمر ليس سهلا كما يظن البعض، فألمانيا كما أنها دولة ذات مستوى معيشي جيد جدا إلا أنها أيضا من أغلى دول أوروبا.