آسيا داغر.. صانعة البهجة التي خسرت ثروتها من أجل فيلم “الناصر صلاح الدين”

آسيا داغر.. صانعة البهجة التي خسرت ثروتها من أجل فيلم “الناصر صلاح الدين”

كتب- محمد حجازي

 

آسيا داغر

آسيا داغر.. صانعة البهجة

المولد والنشأة

ولدت آسيا داغر في قرية “تنورين” اللبنانية، ويختلف الباحثون في سيرتها حول تاريخ ميلادها، فيذهب بعضهم إلى أنها من مواليد نهاية القرن التاسع عشر، وتحديداً في عام 1899، ويرى آخرون أنها ولدت في سنة 1912، لكن الأرجح والأقرب إلى الدقة، بالنظر إلى بداية عملها الفني، أنها ولدت سنة 1904. وآسيا داغر هي ابنة عم الكاتب الصحفي المعروف أسعد داغر، الذي عمل في جريدة “الأهرام” وصحف أخرى، واستقر في مصر قبل سنوات من نزوح آسيا وشقيقتها ماري وابنة شقيقتها ماري كويني في العام 1923، حيث استقروا في القاهرة واتخذوا من مصر وطناً. وتبدو المعلومات المتاحة ضئيلة للغاية منذ ميلادها وحتى وصولها إلى مصر، فلا تفاصيل مشبعة عن ظروف الحياة الأسرية ومستوى التعليم ودوافع الهجرة، ولكن المشترك بين كل من كتبوا عنها أنها كانت تتقن القراءة والكتابة باللغتين العربية والفرنسية، وكان الأدب هو الموضوع الأثير لها.

 

الحياة الزوجية

لم تتزوج السيدة آسيا داغر إلا مره واحدة، وكانت ابنتها الوحيدة منى ثمرة هذا الزواج، وقد عملت منى في مجال التمثيل، وانتشرت في الخمسينيات عبر عشرات الأدوار، ثم تزوجت من المحامي علي منصور، وآثرت -مثل والدتها- أن تبتعد عن التمثيل وتتفرغ لحياتها الزوجية. ومما يذكر للسيدة آسيا حرصها الواضح على الفصل بين حياتها الشخصية وعملها الفني، ويشير المعاصرون لها والمتعاملون معها إلى امتيازها بالأدب واللباقة وخفة الظل والذكاء والتواضع، ومن ناحية أخرى فإنها كانت تميل إلى العزلة، وقد أعلنت عن ذلك في حواراها مع مجلة “الكواكب”، نوفمبر 1957.

 

مشوار الحياة والاستثمارات

بدأت آسيا داغر حياتها الفنية ممثلة في فيلم “ليلى”، وكان دورها صغيراً محدوداً، وسرعان ما ارتقت إلى أدوار البطولة المطلقة، مستعينة في ذلك الصعود بكونها منتجة أفلامها. وخلال عشر سنوات ما بين 1929 و 1946، قامت آسيا ببطولة خمسة عشر فيلماً، ثم اعتزلت متفرغه للعمل الذي أحبته وأخلصت له وهو الإنتاج. وقد يكون صحيحاً أن آسيا لم تقدم أدواراً خارقة كممثلة، لكنها تختلف عن مثيلاتها من كواكب الثلاثينات وأوائل الأربعينات، ولعل تتميز عنهن بالتوفيق في اختيار الوقت المناسب لاعتزال التمثيل، قبل أن يعتزلها الجمهور. وكان الفيلم الأخير الذي مثلته سنة 1946 “الهانم”، وبعد سنوات من اعتزالها سئلت عن شعورها بعد الاعتزال فقالت أنها مثلت كل الأدوار التي كانت تحبها؛ التاريخية والعصرية والتراجيدية والكوميدية.

واتجهت آسيا للعمل الانتاجي بعد أن تعرفت على الفنان وداد عرفى، وكانت هذه بداية التعاون المشترك بينهم بعد تأسيس الشابة الصغيرة شركة “الفيلم العربي” للإنتاج السينمائي، وهي الشركة التي تحولت فيما بعد إلى ” لوتس فيلم “. وتولى وداد إخراج أول فيلم صامت من إنتاج شركة آسيا بعنوان “غادة الصحراء”. وكان الفيلم الأول لآسيا هو السابع في تاريخ السينما المصرية، وقد تجاوزت تكاليف هذا الفيلم آنذاك ألف جنيه، على الرغم من أن وداد قد وعدها بأن تكاليف الانتاج لن تتجاوز ثلاثمائة جنيه. ولم تؤثر التجربة السلبية المريرة على طموحات آسيا الفنية، فبعد عامين ظهر فيلمهاً الصامت الثاني “وخز الضمير”، الي عرض في الخامس والعشرين من نوفمبر 1931. وحقق الفيلم نجاحاً ملموساً، واعترافاً بجهود آسيا وتقديراً لها، قررت الحكومة القائمة وقتذاك منحها الجنسية المصرية، كما أعلنت وزارة المعارف العمومية عن شراء نسخة من الفيلم بمائة وستين جنيهاً. وعرض فيلمها الثالث “عندما تحب المرأة” في السابع والعشرين من مارس سنة 1933، وتكمن أهمية هذا الفيلم في أنه يمثل بداية تشكيل الثنائي الفني الناجح مع أحمد جلال، الصحفي الذي احترف العمل السينمائي كاتباً وممثلاً ومخرجاً. وعملا معاً على مدار عشرة أفلام، وكانت آسيا هي الممثلة والمنتجه. وعندما تزوج أحمد جلال من ماري كويني سنة 1942، أسس الزوجان شركة انتاج سينمائي استقلا بها عن آسيا، فكان لزاماً أن تبحث الممثلة المنتجة بدورها عن مخرج جديد، ووقع اختيارها على مساعد المخرج الشاب هنري بركات، ليولد على يديها مخرجاً عملاقاً في تاريخ السينما المصرية. وكان الفيلم الأول الذي جمعهما هو “الشريد”، واكتفت فيه آسيا بالانتاج دون التمثيل، ثم جمعت بينمها ثلاثة أفلام أخرى أخرجها بركات.

وعبر رحلتها الانتاجية الطويلة، التي امتدت أربعين عاماً ويزيد، منذ نهاية العشرينات إلى مطلع السبعينيات في القرت العشرين، قدمت آسيا تسعة وأربعين فيلماً، تعاونت فيها مع مخرجين وكتاب ينتمون إلى مدارس فنية واتجاهات فكرية متباينة. وبلغ اجمالي الافلام التي انتجتها آسيا داغر حوالي خمسين فيلم وهم كالتالي:

غادة الصحراء وانتج عام 1929 للمخرج وداد عرفي، وخز الضمير عام 1931 للمخرج إبراهيم لاما، وعندما تحب المرأة عام 1933، وعيون ساحرة عام 1934 وشجرة الدر عام 1935 وبنكنوت عام 1936 وزوج بالنيابة عام 1936 وبنت الباشا المدير عام 1938 وفتش عن المرأة عام 1939 وزليخة تحب عاشور عام 1939 وفتاة متمردة عام 1940 وإمرأة خطرة عام 1941 والعريس الخامس عام 1941 وجميعهم للمخرج أحمد جلال، والشرير ولو كنت غنى والمتهمة عام 1942 وأما جنان عام 1944 والقلب له واحد وهذا جناه أبي عام 1945 والهانم عام 1946 والعقاب عام 1948 والواجب عام 1948 ومعلش يازهر وأمير الانتقام عام 1950 وآمال ومن القلب للقلب وأنا وحدي وقلبي على ولدي عام 1952 وجميعهم من اخراج هنري بركات، وليت الشباب عام 1948 للمخرج حسن عبد الوهاب، واليتيمين عام 1948 وساعة لقلبك عام 1950 للمخرج حسن الامام، وست البيت عام 1949 للمخرج أحمد كامل مرسي، وحلم ليلة عام 1949 للمخرج صلاح بدرخان، وفي الهوا سوا عام 1951 للمخرج يوسف معلوف، وقدم الخير عام 1952 وثورة المدينة عام 1955 للمخرج حلمي رفله، والمال والبنون وياظالمني ولمين أهواك للمخرج إبراهيم عمارة، وحياة أو موت عام 1954 لكمال الشيخ، ومن القاتل عام 1956 واللقاء الثاني عام 1967 للمخرج حسن الصيفي، ورد قلبي عام 1957 للمخرج عز الدين ذو الفقار، والناصر صلاح الدين عام 1963 للمخرج يوسف شاهين، والشيطان والخريف عام 1969 للمخرج أنور الشناوي، ويوميات نائب في الارياف عام 1969 للمخرج توفيق صالح، وأوهام الحب للمخرج ممدوح شكري. ويتضح من ذلك قدرة آسيا على التعامل مع العديد من المخرجين وتقديم أفلام عصرية تتميز بالمغامرة والشجاعة وانتاج أفلام باهظة الثمن. وعند تأمل طبيعة الخطاب الذي تقدمه الأفلام المشار إليها، لا يصعب اكتشاف حقيقة التنوع، المردود إلى اختلاف الكتاب والمخرجين، بل إن كثير منها قد يقدم رؤى واجتهادات لاتروق للمنتجة الكبيرة، لأسباب طبقية واجتماعية، لكنها تتوافق مع أفكارها الليبرالية المستنيرة.

ولا شك أن فيلم الناصر صلاح الدين من علامات السينما المصرية، لكنه لم يحقق نجاحاً بالمنظور الاقتصادي،  فقد خرجت آسيا منه مدينة بمبلغ بالغ الضخامة، يقدر بما يعد كافياً لانتاج عدة أفلام: خمسة وستون ألف جنيه، وأدى الدين الثقيل إلى تراجع ملموس في العملية الانتاجية. ولم تقدم آسيا إلا أربعة أفلام بعد “الناصر صلاح الدين”، ولم يحقق أي منها نجاحاً تجارياً يعوض جزء من خسارتها الفادحة، وكان لزاماً على المرأة التي تجاوزت الستين أن تعمل بلا كلل بغية تدبير مرتبات الموظفين العاملين في شركتها السينمائي. وهذا المصير الذي آلت إليه آسيا داغر يثير قضية جديرة بالاهتمام والدراسة، تتعلق بالعلاقة بين الاستثمار في المجال الفني، سينمائياً ومسرحياً وتليفزيونياً وغنائياً، وبين طبيعة السوق القادر على استيعاب هذا الانتاج وتحقيق التوازن المادي. فلم تكن آسيا تفكر في حسابات الربح والخسارة وحدها.

 

الخاتمة  

وتوفيت آسيا بعد أن تجاوزت الثمانين بعامين في يناير 1986، لكنها توقفت عن الإنتاج السينمائي قبل رحيلها بأكثر من عشر سنوات. لا شك ان التقدم في العمر قد لعب دوراً  في قرار الاعتزال، كما أن تغيير المناخ العام كان له دوره، فهي تنتمي إلى جيل مختلف من حيث المباديء والقيم والإيقاع. ورحلت السيدة آسيا بعد أن حظيت بحب الملايين ممن قدروا لها إخلاصها ودأبها، فضلاً عن حصولها على جوائز غير قليلة حصدتها أفلامها المتميزة. تعددت وجوه التكريم لشخصية المنتجة الرائدة، فقد منحتها الحكومة السورية نيشان الاستحقاق، وفازت بجائزة الدولة في مصر بمناسبة اليوبيل الذهبي للسينما المصرية.

 

المراجع: –

وزارة الاستثمار، وحدة التطوير المؤسسي، سلسلة رواد الاستثمار، آسيا داغر، صانعة البهجة.