آن المُنقذة..أساطير غامضة حول فتاة نهر السين

آن المُنقذة..أساطير غامضة حول فتاة نهر السين

لا أحد يعرف اسمها، ولا عمرها  أو سيرتها ، كيف ساقتها الحياة إلى باريس ، وكيف تركتها تغرق في نهر السين ؟؟ تلك الفتاة التي غرقت وظلت مجهولة لا يعرف أحد من هي وماوراء غرقها ،ففي نهاية القرن التاسع عشر وبالتحديد في مشرحة تقع في قلب العاصمة الفرنسية باريس، والتي تعد من أكثر الأماكن المشهورة حينها كان يتردد سُكان المنطقة لمشاهدة عرض حي للجثث مجهولة الهوية، مرمية علي قطع من الرخام الأسود،فيما يفصلها عنهم جدار زجاجي كل واحد منهم  يبحث عن وجه غائب ولم يعد .

أسرار فتاة النهر

قد يكون موت تلك الفتاة المجهولة التي تبلغ من العمر  ١٦ سنة وقررت الإنتحار , لم يجد  أحد وجود علامات على جسدها, ليستنتج البعض أنها وضعت حدًا لحياتها بنفسها فبعد إخراجها من النهر نقلت إلى مشرحة باريس ، لتُعرض بعد ذلك للعامة بجانب الجثث الأخرى مجهولة الهوية لغرض التعرف عليها.

تلك الشابة التي امتلكت ابتسامة جميلة لم يغيرها حادث الغرق ، فقد عُثر عليها خلال العرض الجنوني للجث عام 1880 فهي  دونًا عن الجثث المرمية فوق الرخام الأسود بجمالها وبتسامتها الملغزة ، تبقي مجهولة الهوية غارقة في نهر السّين في باريس، وتم أخذها إلى المشرحة لعل هذا يساعد في تحديد هويتها لكن لا فائدة فقد عُرضت على العامة لعل أحدهم يتعرف عليها و لكن لم يتعرف أحد عليها ، وظل يتوافد عليها الحشود كل يوم لرؤيتها حتى أُغلق طريق المشرحة دون معرفة السبب ليطرق لغزًا حير الكثير.

أماكن فتاة النهر

ماوراء القناع

فقد قام أحد الأطباء بصنع قناع شبيه لوجهها فهذه الغريقة ذات الإبتسامة المماثلة لابتسامة الموناليزا، ولكن يبقي تساؤل ما الذي دفع تلك الطبيب لصنع قناع لها من الجبس يُحاكي جمال وجهها و ابتسامتها  ، مما جعل  في عام ١٩٠٠ تم صناعة الكثير من الوجوه لتلك الفتاة و انتشر كثيرا في أوروبا كقطعة اكسسوار في المنازل و ألهمت الأدباء و الشعراء في أعمالهم ، كما في عام 1958 تم استخدام هذا الوجه كنموذج  للتدريب على الإنعاش القلبي الرئوي و من هنا أصبح وجه هذه المجهولة الأكثر تقبيلًا في العالم ، فلا أحد يعلم بماذا كانت تفكر هذه الفتاة حين جرفها النهر لكن ابتسامتها الساحرة جعلها تبدو و كأنها تعرف أن بموتها سيتذكرها الجميع لتصبح أيقونة ثقافية .

ولكن يري البعض إن هذا القناع قد يكون أخذ من نموذج حي تمثل بشكل جثة، وربما كان هناك احتمالية  أن شكل القناع من الفتاة المجهولة حين كانت حية، ثم أغرقت نفسها في نهر السين بعد ذلك، وحينها بات القناع شهيرًا ونمت حوله قصة أسطورية وبالرغم من كل هذه السيناريوهات المفترضة، فإننا لن نعرف القصة الحقيقة أبدًا ،حيث يُعتقد أن جثمان الفتاة المجهولة دُفن في مقبرة للفقراء غير محدد، ولم تذكر سجلات الشرطة في تلك الفترة أي معلومات عنها.

ولكن تم استخدام صورتها لصناعة قناع ليستعمل للتدرب على رسم النسخ وبالرغم من ذلك إلا أن تلك اللغز الحزين يتعدي حدود خيال أي شخص فكيف لوجه يصبح قناعًا يجسد صورة الجمال لأجيال عدة؟؟ ثم بعد ذلك، يصبح شيئًا أعظم ليكون وجهًا لتقنية تنقذ الأرواح وتحول دون لقاء ملايين البشر لحتفهم قبل الأوان؟؟

فتاة نهر السين

القناع المُزين

فتلك القناع  ذات الوجه المطمئن إلى الموت ، أصبح رمزًا للجمال ، إلى درجة أنه تحول إلى ديكور يزين به الناس منازلهم كأقنعة كرنفال فينسيا، ومن هنا انتشر القناع  ليعم أرجاء أوربا ويفتنها، وتصبح صاحبته مصدر إلهام الكتاب والشعراء.

أما في دولة فرنسا  فهي ظلت  تخلد ذكراها بطرق بسيطة وجميلة ومعبرة، ففي كل زاوية حارة أو ميدان،  هناك تذكار أو نصب صغير لأناس كانوا أبطالًا بشكل أو بآخر، حيث يمكنك أن تُشاهد أثناء مرورك في أي شارع  وقعت فيه حادثة، نصبًا صغيرًا وباقة ورد وضع في زاوية من زوايا الشارع.

فتلك  الفتاة التي لم تعرف أن ابتسامتها التي تشع على وجهها هي ابتسامة مشرقة ومثيرة للإعجاب أكثر من ابتسامة فتاة حية جميلة، ورغم أنها لم تقدم أي خدمة لوطنها خلال حياتها القصيرة، إلا أن قصتها التراجيدية غير المعلومة، باتت أسطورة تعتز بها فرنسا وتقدرها، كإمرأة ميتة تنقذ الأرواح، فقناع مجهولة نهر السين، يُعد رمزًا بل أيقونة النصف الأول من القرن العشرين، وعلى الرغم من أن الكثيرين لايتذكرونها في يومنا هذا، إلا أن الموت الهادئ والمبتسم على وجهها تم نقلها عبر الأجيال من خلال وسيلة فريدة من نوعها، ففي الخمسينيات، اقترح النرويجي أسموند ليردال من مواليد عام 1914 مؤسس شركة الألعاب البلاستيكية المرنة، صُنع دمى بلاستيكية للعاملين في مجال الإنقاذ .

فتاة نهر السين

لقد كان ليردال مطلعًا على قصة مجهولة نهر السين وقناعها، والتي ألهمته لصنع دمية حجمها بحجم الإنسان، ليرشد المنقذين إلى طرق الإنقاذ والإنعاش بشكل أفضل ،متأثرًا بموت هذه المرأة التي كانت في ريعان شبابها، فقام بصناعة نموذج من الدمى ذات وجه مقنع بقناع مجهولة نهر السين، وأطلق عليه اسم (آن المنقذة) لتحقق نجاحًا واسعًا في ميدان الإسعافات الأولية، فهذه الدمية وعلى الرغم من مرور أكثر من نصف قرن على صنعها، و تحديثها وتغييرها على مر الزمن ،إلا أنها لاتزال تحتفظ بوجهها الجميل الميت بتألق .

فقد طرقت تلك الفتاة الكثير من الروايات الغامضة دون معرفة أسباب الإنتحار لكنها ستظل إلى الأبد بدون اسم ولا هوية , أسرارها مجهولة كنهر السين وفيضانة الذي يحول المدينة إلى فراغ مميت ،كما ذكر الروائي فيليب فورست مواليد ١٩٦٢في روايتة الرائعة (الفيضان) 2016 ، ليعالج  فيها الحالة النفسية التى تسيطر على رجل فقد ابنته التى لم تبلغ سوى أربعة أعوام في فيضان نهر السين .

وذلك من خلال الفراغ القاتل الذى يشعر به والغربة التى صاحبتة، خاصًا عند عودته إلى باريس بعد عدة أعوام من فقدان ابنته وماتركه فيضان السين عام 1910 من فراغ ودمار فى الحياة الباريسية حيث ارتفع منسوب المياه ليبتلع النهر بفمة المائى القذر، الذي تسبب في غرق كل  الأحياء الباريسية ، ولم يترك السين أي آثار من تلك الأحياء كما هى طبيعة الحياة على الأرض .