أطباء مصر.. بين طبيب أرياف وشربة الحج داود

أطباء مصر.. بين طبيب أرياف وشربة الحج داود

أطباء مصر.. بين طبيب أرياف وشربة الحج داود

يمكن القول أن كل طبيب مصري شاب مر بفترة عمل في الأرياف كون فكرته المختلفة عن طب الأرياف -أو استطاع أن يلم بعادات أهل القرى بالطب

ولن نستطع القول أن هذا في مصر فقط، فالجهل الطبي موجود في كل مكان بالعالم.

لذلك لن نستطع أن نجزم هل ما يحدث صحيح أم خاطيء، إضافة لكون كل منهم يروي تجربتة في فترات متقاربة زمنيا.

لكن الأكيد وبرغم كل شيء أننا لسنا وحدنا في ذلك كما يصور البعض، فالأساطير الطبية موجودة في كل زمان ومكان وحضارة.

فقديما كانت الجدة في كل بيت هي الطبيب والمعالج، وذلك لا يقتصر على القرى والأرياف قط، بل على الجميع، من خلال الأعشاب والوصفات المتوارثة لها من خلال الأسلاف.

ولا يمكننا الجزم أن تلك الوصفات الغريبة كانت كلها سيئة أو جيدة، لكن تبقى هناك بعض الوصفات موجودة حتى الآن ونافعة.

وقد تم استخدامها كعلاج من قبل الأطباء أنفسهم وهي وصفات العلاج بالأعشاب، وهذه الأعشاب أثبتت الدراسات فاعليتها فعلا.

بالإضافة للعلاج بالأعشاب هناك أيضا العلاج بالحجامة ولدغ النحل، وهم علاج لايزال يستخدم حتى الآن.

إذن لماذا هذا الضجيج؟

الفكرة لدينا أن أدباءنا تحدثوا عن ذلك الجهل بشكل كبير في أعمالهم.

فنحن في مصر لدينا عدد كبير من الأطباء الذين انحازوا للمجال الأدبي عن المجال الطبي.

أبرزهم د.نبيل فاروق ود.أحمد خالد توفيق رحمهم الله وأيضا د.محمد المنسي قنديل.

لذلك يجب أن ننظر بعين الاعتبار حول ما كتبه كل منهم عن أي شيء يخص عاداتنا وتقاليدنا حول المجال الطبي.

عن الطب وأشياء أخرى

بعد قراءة عدد من الكتب والروايات عن الجهل الطبي، لعظماء الأدب والطب، كان لابد أن نقف حول عدة أسئلة.

هل نحن فعلا بهذا القدر من الجهل؟
وكيف وصلنا إلى هذا المستوى؟
وإذا كان ما سبق صحيح فما الحل إذن؟

وللاجابة على هذه الأسئلة لابد أن نعرف أراء هؤلاء الأطباء من خلال كتبهم كالتالي..

شربة الحاج داود

اشتهرت قديما “شربة الحاج داود اللي بتموت الدود”، لكن ما هي شربة الحاج داود؟

يقول د.أحمد خالد توفيق من خلال الاعتقاد التراثي المصري:
“هي علاج سحري لكل شيء تقريبا، من الديدان حتى الأورام الخبيثة والعقم والصداع”.

لكن حقيقة فهي ليست كذلك، بل هي دليل على الجهل والخرافات الموجودة داخل عقولنا.

أو يمكن تعريفها بشكل آخر على أنها الفتوى دون علم عن العلم.

ومن خلال ثلاثة أقسام تحدث العراب عن تاريخ العلم وشبه العلم، في محاولة لفضح أساليب النصب في الطب.

القسم الأول..

في البداية تحدث عن العديد من الأمراض مثل الطاعون والملاريا وكيف تم اكتشاف علاج لهم ولغيرهم.

ثم انتقل للأوبئة كسلاح حرب بين الطرفين المتحاربين، وكيف لعبت دور أساسي في الحروب، مثل حرب الطاعون.

ثم تطرق للحروب البيولوجية في القرن العشرين.

القسم الثاني..

تحدث فيه عن الخرافات والأكاذيب المتوارثة بين الأجيال والتي لا تستند إلى حقائق علمية.

كما تطرق للعديد من الأساطير الطبية وبعض الأفكار الملوثة بالشعوذة التي يؤمن بها الشعب المصري.

كخرافة أن موجات الميكروويف تسبب السرطان وغيرها من الخرافات الأخرى السائدة.

القسم الثالث..

ذكر فيه عدة مقالات متفرقة عن الانترنت ونظرية المؤامرة في الطب واتهامات الدول لبعضها.

حول ما سبق..

في النهاية يمكن القول أن د.أحمد خالد توفيق توصل من خلال ذلك الكتاب إلى حقيقة مفاداها أن:

المرض في مصر سببه الأول الجهل، والاعتماد على الفتوى عن العلم من دون أهل العلم

والسبب الثاني هو حب المصريين للمرض، فكيف ينزعجون عندما يخبرهم الطبيب أنهم بخير.

في النهاية فقد تحدث العراب من خلال كتابه عن الخرافات الطبية الشائعة بيننا وتاريخ مرض القارة السمراء.

أما د.محمد المنسي قنديل فقد تحدث عن طب الأرياف وناقش ما يسوده من جهل بشكل عام من خلال روايته.

طبيب أرياف

هذه الرواية كتبها د.محمد المنسي قنديل، في فترة وباء كورونا، أي خلال هذه الفترة الحالية.

رغم أنها رواية سياسية في باطنها تدور أحداثها خلال عهد كل من عبدالناصر والسادات إلا أن الطابع الاجتماعي قد طغى عليها.

من خلال بطل الرواية د.علي الذي يقضي حياته في قرية نائية من قرى مصر يقص علينا د.محمد المنسي أبرز ملامح الجهل الريفي.

رغم أن الرواية تشمل قصص حياة ثلاث عناصر من البشر في الريف، متمثلين في د.علي والممرضة فرح، جليلة وأبانوب، العمدة وزوجته.

لكن في النهاية كل ما يقع على عاتقهم من مشاكل يأتي من خلال الجهل والخرافات.

فالقرية التي تدور فيها الأحداث نائية وغير صالحة للعيش، ورغم ذلك لا أحد يجرؤ على الاعتراض خوفا من العمدة (السلطة).

فهو صور بشكل بسيط حياة أهل الريف، في هذه الحقبة، وكيف كانت القرى ملوثة وأن أهلها جميعا مرضى، فضلا عن عدم وجود دواء، من خلال طبيب أرياف.

وكيف كانت تترك تلك القرى دون وضع رقابة على مسؤوليها، بل أن من له واسطة فقط هو من يستطيع التحدث.

ورغم وجود العديد من الأحداث والتفاصيل البعيدة عن موضوعنا هذا، إلا أن النهاية تأتي نتيجة الجهل الطبي.

هذا الجهل الذي تحدث عنه العراب أيضا في مقالة أخرى له بعنوان الطريف في طب الأرياف.

روى فيها حكايته مع أهل القرية التي عمل بها لأول مرة وما استخدموه من مصطلحات وأفكار مغلوطة.

إذن فنحن الآن بصدد قضيتين في غاية الأهمية هما الجهل الطبي أي استبدال الخرافات بدلا من العلم، وطب الأرياف.

ومن ثم يبرز لنا ااسؤال الأول ليطرح نفسه، هل نحن فعلا بهذا القدر من الجهل؟

لا أحد ينكر أن لازال هناك البعض يتبع العديد من الأفكار المغلوطة، والخرافات القديمة، لكن ليس كما صور كتابنا.

ومن هنا يبرز إلينا السؤال الثاني كيف وصلنا إلى هذا المستوى؟ بداية نحن في زمننا هذا لسنا بهذا القدر من الجهل.

وعن تاريخنا فالعالم بأسره يشهد لنا تاريخنا الطبي منذ الحضارة الفرعونية وقوانين حمورابي.

وكما سبق القول كل دولة ولها أساطيرها الطبية الخاصة بها، فالمتأمل لتاريخ الصين والهند سيجد لديهم أغرب العادات، أبرزها العلاج بالإبر الصينية.

إذن ما الحل..

يبقى لدينا السؤال الأخير والأهم، ما الحل؟
كما قال العراب:”الأستاذ مزروع هو الحل”.

الأستاذ مزروع هو معلم العراب والذي منَّ له بالتقدير والاحترام لما علّمه من دروس حياتية.

ومن ثم فالحل أمامنا الآن ليس الأستاذ مزروع اسما، بل التعليم.. وهذه قضية أخرى.

لمن كتب العقاد؟!