تعددت تعريفات الذكاء البشري، وقد تمحورت تلك التعريفات حول توافق القدرات العقلية للإنسان مع العمليات المعرفية، سعياً للتكيف مع البيئة المحيطة به، وتحقيق شتى أشكال المكاسب.
أسّست الفلسفة مصطلح الذكاء البشري، على يد الفيلسوف “شيثرون” فيما عُرف بمنهج الإستبطان الذاتي، والذي يعني مراقبة الفيلسوف لعقله حال استغراقه في التفكير، وتقييم فائدة النتائج التي توصل إليها.
تعريفات الذكاء البشري لدى علماء النفس
علماء النفس انتقدوا التوجّه الفلسفي في تعريف الذكاء البشري، واشترطوا إخضاع هذا التعريف للاختبار العلمي والتجريبي، وهو ما لم يتحقق.
وكان لعلماء النفس عدة تعريفات للذكاء البشري:
فقد عرّفه “جورداد” على أنه قدرة الشخص على توظيف خبراته السابقة في التغلب على ما يواجهه من مواقف، وقدرته على التنبؤ الصحيح بما قد يواجهه مستقبلاً، والطريقة الصحيحة للتعامل مع تلك المواقف المستقبلية.
وعرّف “تيرمان” الذكاء البشري بأنه قدرة الشخص على التفكير المجرد، أي بمعزل عن عواطفه، أو إحتياجاته، أو ضعفه.
وعرّفه “ثورندايك” بأنه متوسط مجموع المهارات ـ المستقلة عن بعضها ـ لدى الشخص، رافضاً فكرة الذكاء العام لدى الفرد.
أما “ثيرستون” فكان له نظرية مفادها أن الذكاء عبارة عن تضافر مهارات الإنسان المنفصلة جزئياً عن بعضها لتكوين التصورات، والقدرة على الإستدلال لفهم العمليات الرياضية مثلاً، وكمثال آخر لفهم القصائد التي تتطلب تضافر المهارات والقدرات لفهم معاني الألفاظ، والتذكّر، والطلاقة اللفظية.
وعرّفه “هاوارد جاردنر” أستاذ الإدراك والتعليم بكلية الدراسات العليا بجامعة هارفارد الأميركية: بأن الذكاء البشري هو الكفاءة الذهنية للشخص، التي تمكنه من حل ما يواجهه من مواقف.
وقد وضع “جاردنر” نظرية الذكاءات المتعددة، والتي تفيد بأن للذكاء الإنساني ثمانية أنواع، وهي:
- الذكاء الرياضياتي: وهو قدرة الفرد على إجراء العمليات الحسابية المتشابكة، بالإضافة إلى القدرة على النقد البناء، والتعليل المقنِع، والتقصّي.
- الذكاء الفردي أو الذاتي: وهو قدرة الفرد على إدراك ذاته بصدق، وفهم وضبط عواطفه، ودوافعه، ومخاوفه.
- الذكاء اللغوي أو اللفظي: وهو القدرة على تعلّم مختلف اللغات واللهجات، والقدرة على التعبير عن أفكاره بفصاحة وإقناع.
- الذكاء التصوري أو المكاني: وهو القدرة على حُسن استغلال المساحات والمسافات، كلاعبي كرة القدم مثلاً، والمهندسون المعماريون.
- الذكاء النغمي أو الموسيقي: وهو القدرة على التماهي مع التكوينات الصوتية والأنغام، وتقليد الأصوات.
- الذكاء الحسّي أو الحركي: وهو قدرة الفرد على تطويع جسده، كلاعبي الجمباز مثلاً.
- الذكاء التفاعلي أو الإجتماعي: وهو القدرة على قراءة عقول الآخرين، وكسبهم، والتأثير فيهم، والتأثر بهم.
- الذكاء العاطفي: وهو قدرة الفرد على ضبط وإحداث التناغم بين أفكاره ومشاعره وسلوكه، وهذا النوع من الذكاء قد يكون فطرياً لدى البعض، ويمكن إكتسابه بتلقّي جلسات العلاج المعرفي السلوكي.
وهذا النوع الأخير من الذكاءات البشرية، هو الأهم، فهو الذي يؤدي إلى حُسن إستثمار أيٍّ من أنواع الذكاء الأخري لدى الفرد، فلا يكفي أن يكون الشخص متفوقاً في الدراسة فقط ليكون ناجحاً في حياته العملية والإجتماعية، ولا يكفي أن يكون لاعب كرة القدم ذا مهارة كبيرة، ليحقق البطولات والجوائز، بل لابد من التحلي بالذكاء العاطفي.

مقاييس الذكاء (IQ test)
توجد عدة طرق لقياس الذكاء البشري، سنُوُرد هنا أشهرها وأكثرها موثوقية.
مقياس ذكاء “ستانفورد بينيه”
ويتم بحساب نسبة العمر العقلي للشخص مقسوماً على العمر الزمني له مضروباً X 100، ثم مقارنة النتيجة بنتائج عدد من أقران مُجري الاختبار في نفس العمر الزمني، ومن عينة سكانية معيارية، وهذا الاختبار تم معايرته على الإنسان من عُمر 2 وحتى 85 سنة.
ويتضمن المقياس عدة اختبارات فرعية، بناءًا على نتائجها يمكن التنبؤ بمستوى مُجري الاختبار في الإنجاز الدراسي، والقدرة على اكتساب المعارف، وقدرات التفكير والتعليل.
نظام التقييم المعرفي
وهو نظام لتقييم الأطفال من سن 5 ـ 17 سنة، وتكون مدته ساعة واحدة، ويُقسم على 3 مستويات، كالآتي:
- حاصل المقياس الكلي
- مقياس “باس” وهو مقياس الإنتباه والتزامن والتخطيط
- الاختبارات الفردية الفرعية
- عدد 12 اختبار فرعي
اختبار الذكاء غير الكلامي
وهو اختبار يُجرى لغير القادرين على أداء المهام اللغوية واللفظية بشكل طبيعي، ويحتوي على 6 اختبارات فرعية.
يُشار إلى أن نتائج اختبارات الذكاء قد لا تعطي نفس النتائج لنفس الشخص إذا أجرَى أكثر من اختبار، وذلك لإختلاف قيم التقييم.
الذكاء والعقل
كثيراً ما يحدث خلطٌ بين الذكاء والعقل، فنقول إن فلاناً شخصٌ ذكي، أو عاقل، فهل هناك فرق ؟
أما الذكاء فقد أفضنا في الكلام عنه فيما تقدم، وهو مرتبط إجمالاً بإعتبارات فسيولوجية متعلقة بالمخ، والجهاز العصبي، وكافة أعضاء جسم الإنسان.
وأما العقل: فهو مسألة غير حسية، فالعقل ليس عضواً بيولوجياً في الجسم، وهو غير متحيز، بمعنى أني لو سألتك أين يقع عقلك من جسدك ؟ فهل من إجابة ؟
العقل هو مَـلَـكَـةٌ في الإنسان، تُرشِد المخ وتُلهِمه بالمنطق السليم في التفكير والفعل.
وإذا كان علم النفس قد اختص بتعريف الذكاء وشرحه وتحديد أنواعه، فقد عُنِيت الفلسفة بالعقل، وأفردت له فرعاً منها سُمّي: فلسفة العقل، التي تُعنَى بالإجابة عن أسئلة من قبيل: ما هي طبيعة الجمال ؟ ماهي الأخلاق ؟، كما يمكن القول بأن العقل هو بمثابة مساحة تخزين سحابية للتصورات، والمعتقدات، والنوايا، والأمنيات، أو كما قال دوستويفسكي في روايته الجريمة والعقاب: “ما العقل إلا خادم الأهواء”