أحمد علي صالح يكتب.. كيف نحترم الآخر؟

أحمد علي صالح يكتب.. كيف نحترم الآخر؟
أحمد علي صالح يكتب.. كيف نحترم الآخر؟

جعل الله التعدد والاختلاف مع الآخر في الشرائع الدينية، سنة من سننه لقوله تعالي: (لِكلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖفَاسْتَبِقوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعكمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (سورة المائدة: الآية 48).

وخلق سبحانه الناس مختلفين، ويؤكد علي هذا الاختلاف قوله تعالي: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ)

(سورة الروم: الآية 22).

تعارف وحوار

وتتمثل الحكمة الإلهية من خلق الناس مختلفين في الدعوة إلي التعارف، والحوار مع الآخر، مـن أجـل ذلـك دعا الإسلام إلي احترامه،

والحوار معه، وأرسي لهذا الحوار قواعد وأسس هي جزء من الإيـمـان،

فهو يـعـتبر أن الناس مختلفين اجتماعيًا وثقافيًا ولغويًا، ولكنهم يشكلون في الأساس أمة واحدة.

كما جاء في القرآن الكريم: (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا ۚ)

( سورة يونس: من الآية 19)

أي أن اختلافاتهم علي تعددها لا تُلغي الوحدة فيما بينهم.

الإيمان الإسلامي

وإذا كان احترام الآخر كما هو لونًا ولسانًا يشكل عمودًا من أعمدة الإيمان الإسلامي، وقاعدة من قــواعد السلوك والتصرف،

فإن احترامه هو عقيدة وإيمان.

وهو – أيضًا – احترام لمبدأ حرية الاختيار التي منحها الله لكل إنسان، والتزام بقاعدة عدم الإكراه في الدين.

إن الإسلام يؤمن بالحوار والاختلاف، واحترام الآخر، وقد وضع لهذا الاحترام والاختلاف قواعد،

ولـعـل مــن أبــرزها مــا ورد في ســورة الـنـبـأ، حـيـن كان النبي محمد صلي الله عليه وسلم  يحاور مجموعة من غير المسلمين

شارحًا ومُبينًا ومُبلغًا، ولكنهم كــانــوا يـُصـرون عـلـي أن الـحــق إلي جانبهم،

فحسم الــرسـول الكريم  صلي الله عليه وسلم حواره معهم علي قاعدة النص:

(وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مبِينٍ)

(سورة سبأ: من الآية 24).

لقد وضع الرسول نفسه في مستوي من يحاور تاركًا الحكم لله، وهي أسمي تعبير عن احترام الآخر وحـريته في الاختيار، حتي لو كان خطأ.

بل وذهب صلوات ربي وسلامه عليه إلي أبعد من ذلك عندما قال القرآن الكريم في الآيــة الـتـالـيـة مباشرة: (قلْ لا تسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ)

(سورة سبأ: الآية 25).

آداب الحوار

فكان من آداب الحوار، بل من المبالغة في هذه الآداب الإسلامية أن وصف الرسول الكـريم اخـتـيـاره للـحـق ــ وهـو علي حق ــ بأنه إجرام في نظرهم،

ووصف اختيارهم للباطل ــ وهــم عــلي بــاطــل ــ بأنه مجرد عـمل، ثم ترك الحكم لله: (قلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ)

(سورة سبأ: الآية 26).

إن احترام الآخر، واحترام حرية اختياره هنا، ليست احترام لخطأ، وكذلك فإن تسفيه وجهة نظر الآخر،

ومحاولة إسقاطها ليس الهدف الذي يكون الحوار مُجديًا إلا إذا تحقق.

أهداف

إن مـن أهــداف احترام الآخر تعريفه علي وجهة نظر يجهلها، ومحاولة إقناعه بالتي هي أحسن، أو بموقف ينُكره أو يتنكر له،

وهذا في حد ذاته أعلي آداب احترام الآخـــر.

دعوة التسامح  

وعلينا أن نفسح فيما بيننا دعوة إلي التسامح واحترام بعضنا البعض دون تحيز للون أو جنس أو لغة،

من أجل بناء العلاقات الإنسانية السليمة بين الأفراد وبين الجماعات،

والآيات القرآنية ذهبت إلي أن دفع العداوة بالتسامح غير الذليل هو الذي يجلب المحبة والإخاء،

ويضِفي علي العلاقات الإنسانية الهدوء والسلام، ويشجع علي احترام الحقوق المتبادلة، وتجنب العمليات الانتقامية أو الثائرة،

التي تدفع إليها الأحقاد، والتي في ظِلها تهدد حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.

كاتب المقال/ باحث دراسات إسلامية