هل فكرت يومًا في شكل الانسان البدائي؟! حكاية طفل عمره أكثر من 1.6 مليون سنة

هل فكرت يومًا في شكل الانسان البدائي؟! حكاية طفل عمره أكثر من 1.6 مليون سنة

لم يكن معروف حتى وقت قريب شكل أو مظهر الانسان البدائي المنتصب، فمعظم الاكتشافات الحفرية كانت عبارة عن أجزاء من الجمجمة وقليل من عظام أسفل الرقبة. شرع مجموعة من المستكشفين الاثريين بقيادة ريتشارد ليكي Richard Leakey في صيف 1984 بالبحث والتنقيب في حفريات يرجع تاريخها إلى حوالي 1.6 مليون سنة ناريوكوتومي III بالقرب من بحيرة توركانا، بكينيا، وأثمر البحث عن الكشف عن هيكل عظمي لصبي صغير.  وبفحصه تبين أنه العينة الأكثر اكتمالاً للإنسان المنتصب[1]، ومن ثم أطلق عليه طفل توركانا. وكان الهيكل يفتقد فقط إلى اليدين والقدمين.

الانسان البدائي

تبين من الأسنان وعظام الأطراف أن الصبي كان يبلغ من العمر 11 عام تقريبًا. وتوفي الصبي بين حشائش الماء التي تنمو في المياه الضحلة على ضفاف النهر أو النهر بطيء الحركة. ولم يكن هناك الكثير من الأدلة التي توضح سبب الوفاة، فالعظام خالية من آثار مهاجمة الحيوانات، ولم يتم العثور على أدوات أو غيرها من المصنوعات مع الهيكل العظمي. وكل ما ظهر عليه من اعتلال الصحة هو ارتشاف عظم الفك حول الأسنان بفعل أمراض اللثة، وبدون المضادات الحيوية الحديثة، فإن هذا مرض خطير يؤدي إلى عواقب وخيمة يمكن أن تؤدي إلى الموت.

وعندما كان البشر الأوائل يموتون فإن أجسادهم عادة ما تسقط فريسة كما هو الحال عند الحيوانات، فتصبح أجسادهم عرضه لجامعي النفايات وتدمر العظام وتبعثر في كل مكان. ولذلك فإن الظروف مختلفة مع صبي توركانا، فحتمًا اندثرت الجثة سريعًا واختفت بعيدًا عن النابشين وجامعي النفايات، فكانت الجثة مقلوبه على وجهها في الماء، ومن ثم ترسب عليها الطمي سريعًا. وبغض النظر عن العظام التي جرفتها وحطمتها المياه، فلم يعاني الهيكل العظمي إلا من اضطراب بسيط، بسبب نمو شجرة كبيرة خلال عظامه، وهذا ما تبين عند اكتشافه.

كان صبي توركانا الذي عد الانسان المنتصب النموذجي يمتلك جمجمة منخفضة ومائلة بدون جبهة أو جبين، والمخ داخلها ويقدر بنحو ثلثي حجم مخ الانسان الحديث، وعلى الرغم من أن باقي اجزاء الهيكل العظمي كانت تختلف في بعض التفاصيل عن الانسان الحديث، إلا أنها كانت تشبهه بوجه عام.

تميز صبي توركانا بطول القامة، فطوله حوالي 180 سم، وهو ما أثار احتمالية بلوغه سن الرشد. وبمقارنة هذا الهيكل العظمي مع غيره، دلت الأطراف العظمية للإنسان المنتصب في افريقيا وآسيا على الاختلاف في طول القامة، ويشير هذا بدوره إلى أن الإنسان المنتصب أطول من سابقه الانسان الماهر. كان جسم صبي توركانا طويل ونحيل، واتاح له ذلك التكيف مع البيئة ومواجهة حرارة المناطق المدارية، الأمر الذي سيزيد من معدل سطح الاشعاع الحراري بالنسبة لكتلة الجسم، ونلاحظ هذا البنيان الجسمي بين بعض الأفارقة الآن. وبفحص عظام الحوض والفخذ عند الصبي تبين انها تحتفظ بنفس خصائص انسان الهومينيد، ولكن تكوينه العام يشير إلى أنه خفيف الحركة في المشي والجري، ربما أفضل من البشر المعاصرين.

وبشكل عام كان الانسان البدائي المنتصب يمتلك مقومات جسدية تتيح له القدرة على الصيد والجمع والالتقاط وتجميع المخلفات.


 

[1] يعتقد بعض العاملين في المجال اليوم أن الحفريات التي عثر عليها في نايريوكوتومي حول الانسان المنتصب مختلفة بدرجه كافية عن تلك التي عثر عليها في آسيا، وذلك من منطلق الفصل بينهم، ومن ثم اطلق على حفريات ناريوكوتومي “الانسان العامل” حيث يعتقد انه الجد المباشر للإنسان الحديث بدلاً من حفريات آسيا.