في ذكرى الحملة الفرنسية على مصر.. أسرار وحكايات
قاد نابليون بونابرت حملة عسكرية فرنسية إلى مصر، وكان من بين أفراد الحملة مجموعة من العلماء والباحثين، فقد أراد نابليون عمل دراسة مستفيضه عن مصر حتى يتمكن من فرض سيطرته عليها. وصلت الحملة مدينة الإسكندرية في يوليو 1798، وأعلن نابليون أن حملته جاءت لمساعدة العثمانيين في مواجهة الفوضى التي أحدثها المماليك في البلاد، حيث كانت القاهرة تحت حكم اثنان من المماليك وهما مراد بك وإبراهيم بك.
اخذ الجيش الفرنسي يتوغل داخل البلاد من جهة الساحل حتى تصدى له المماليك في 21 يوليو، ولكن الجيش الفرنسي هزمهم ودخل القاهرة، وهنا بدأ نابليون في العمل على فرض سيطرته على البلاد، فقسم القاهرة إلى 16 ضاحية عسكرية وجعل عليها حكام عسكريون فرنسيون يمارسون عملهم من خلال مسئولين محلين، وأسس العديد من الدواوين في المدن التي سيطر عليها الفرنسيون. ولما رأت بريطانيا ذلك، قررت الرد على ما فعلته فرنسا والتصدي لتوسعاتها.
أرسلت بريطانيا أسطول بقيادة نيلسون إلى أبو قير في أغسطس 1798، وقد تمكن هذا الاسطول من إغراق الاسطول الفرنسي، وبعد ذلك أعلن العثمانيون الحرب عليهم، فتصدي الوالي العثماني الجزار باشا “والي عكا” بمساعدة إنجليزية لتوسعات نابليون في بلاد الشام عام 1799، وكان على نابليون أن يواجه كل هذا بالإضافة إلى الأعمال العدائية التي كان يشنها المماليك بعد تقهقرهم إلى الصعيد، فضلا عن المتاعب الإدارية والمالية.
وقد دفع هذا بنابليون إلى مغادرة مصر بعد عام واحد وأناب الجنرال كليبر الذي وجد نفسه في وضع سيء، فلجأ إلى التفاوض مع الإنجليز عام 1800، ولكن الإنجليز رفضوا المعاهدة، ولم يجد أمامه إلا المقاومة حتى تم اغتياله في يونيو 1800، ليتولى الجنرال مينو زمام الأمور بعده.
وكان ذلك إيذانا برحيل الفرنسيون عن مصر، فقد اتجه مينو إلى الشمال لمواجهة العثمانيين في 1801، وكان الجيش العثماني مدعوما بالإمدادات العسكرية البريطانية، وجد الفرنسيون أنفسهم محاصرون بين الجيش العثماني والمقاومة المحلية، فانسحبوا إلى الاسكندرية للتحصن بها، ليرحلوا عن مصر في شهر أكتوبر.
ولكن هذه الحملة الفرنسية على مصر كان لها تأثير كبير على الرغم من قصرها، فقد اثار تنظيم قواتهم العسكرية ومعداتهم وخاصة سلاح المدفعية اعجاب الضباط المماليك والعثمانيين البارعين حتى أن “محمد على باشا” عندما تولى مقاليد الحكم عمل على تحديث الجيش المصري انطلاقا من الأساليب الحديثة.
نجحت الحملة في احداث تأثير ثقافي كبير على الرغم من المقاومة الشعبية، فكان الباحثون الذين صاحبوا هذه الحملة يشغلون المناصب في المعهد المصري، وقدم هؤلاء للدارسين المصريين للمرة الأولى منظورا تفصيليا لكل أوجه الثقافة الأوروبية، كما قام بعض علماء الحملة بجمع المعلومات عن مصر وعمل دراسات تفصيلية وتوثيقية عن البلاد في تلك الفترة، وإلى هؤلاء يرجع الفضل في تأليف موسوعة وصف مصر الشهيرة. وقد ظهرت أول ماكينة للطباعة باللغة العربية على أيد هؤلاء، فكان الغزو الفرنسي لمصر مؤشرا على بداية فترة للتغيير الجذري، ولكنه يبقى احتلالا عسكريًا واستعماريًا في المقام الأول.