بعد أزمة ريان.. من ينقذ الضمير العربي العالق بذات البئر

انتهى موسم الإنسانية بعد إعلان وفاة ريان مساء السبت الموافق الخامس من فبراير الحالي، وانفض مجلس الحكماء المنعقد لإنقاذ الطفل من حفرته، وانصرف كل إلى غايته، بعد تشييع الغلام إلى مثواه الأخير، فأصبح الممكن عدما، وتحول العلم إلى أثر، والضمير المعلوم أصبح غائبا، والقلب البائس يبقى على حاله بائسا، لا يتغير.

خمسة أيام تصاعدت فيها الأحداث، لتصبح قصة الغلام هي الحدث الأول، ويكون هو بطل الشباك الأوحد، في مشهد درامي، تراجيدي صاغته أقلام القدر، يصارع فيها الموت بمفرده، وتنال منه سهام القهر والغدر بكل خسة وهو راقد على شفير الهلاك، وعلى الجانب الآخر تباينت آراء المشاهدين بين شخص أعجبته الحبكة الدرامية فبدا وكأنه يتلذذ بمشهد احتضار الغلام على مدار الخمسة الأيام، وآخر انفجر استياءً وهلعا وذعرا من التباطؤ المشهود في علمية انقاذه، وقلة الإمكانيات المستخدمة في إسعافه وإخراجه من عمق البئر، وآخرين أرادوا استثمار المشهد لتحقيق مكاسب نفعية مادية لصالحهم، ولو على حساب جثة الصغير “ريان”.

لم يكن الغلام حبيس البئر بمفرده على مدى الخمسة الأيام، وإنما كان معه في نفس الحفرة وفي نفس الخندق وعلى ذات العمق “الضمير العربى”، وإذا كان هذا الولود الجميل قد خرج حيا من ثباته ولم يمت، فإن ” الضمير العربى” حبيس ذات البئر منذ عقدين من الزمان أو ثلاثة لا بل أكثر بكثير، حتى تعفنت أوصاله وتمزق شريانه ، وحتى الآن لم تجرأ جرافة واحده على نبش البئر لإخراج رفاته، رفات ” الضمير العربى “، بدعوى إكرام الميت دفنه.

إن الأداة الإعلامية التي انصرفت لتصوير الحدث العالمي، حدث إنقاذ الغلام، هي ذاتها الأداة الإعلامية التي انصرفت عن ألوف الغلمان ممن هم في نفس البئر الذي رُزي به الغلام الصغير، وهي ذات الأداة الإعلامية التي لم تأبه ولم تهتم لألوف الأطفال المشردين بلا مأوى في شتى بقاع العالم، وغيرهم ممن هم في عوز للعلاج والمأكل والمساء.

هذي الأداة التي كشفت عن تعريها، لازلت تراوغ وتناور في سبيل تحقيق مادة إخبارية تدغدغ بها مشاعر المتابعين لها والمشاهدين، وهم الضحايا الفعليون لكل الأحداث والصراعات الحاصلة هنا وهناك وفي شتى أنحاء الكرة الأرضية، فبعد أن تم الإنتهاء من مراسم تشييع جثمان الغلام إلى مثواه الأخير، انصرفت هذي الأداة إلى حيث قد جاءت وقد أغمضت أعينها عن رفقة الغلام الصغير ” ريان”، وصمت آذانها عن صراخ ” الضمير العربي” العالق في عمق هذا البئر المريب.

وليس ببعيد عنا حادث الطفل السوري الغريق ذي الثلاث سنوات ” آلان كردى”، والذي قد لاقى حتفه غريقا مع شقيقه البالغ من العمر خمس سنوات ووالدتهما، وحيث قد تداولت صورته ذات الأداة الإعلامية بعد أن نقل جثمانه أمواج البحر المتوسط إلى الشواطىء التركية، كأداة لدغدغة المشاعر ودون أن تضيف جديدا أو تقترح آلية لإنقاذ باقي الأطفال من مواجهة ذات المصير.

ولكن يبقى أن نتساءل، ألم يأن أن يكون لنا أداة إعلامية يكون هدفها هو إنقاذ الضمير العربى وإيقاذه من غفوته؟
ألم يأن أن تتحرك مشاعرنا لإنقاذ أطفالنا من خطر ضياع الهوية، وانهيار القيم والأعراف العربية؟ فإذا كان الغلام ريان قد فشلت جميع محاولات إنقاذه حيا، ففي أوطاننا مليار ريان يحتاج إلى المساعدة، فهل نجد من يمد لهم يد العون والمساعدة؟