بهاء الدين قراقوش .. الرجل الذي ظلمه التاريخ !

بهاء الدين قراقوش .. الرجل الذي ظلمه التاريخ !

 

مقال بقلم : د. مختار القاضي

مراجعة : جيهان الجارحي

بهاء الدين قراقوش ، هو الرمز الخفي لحكم قراقوش الذي يعتبر في نظر العامة – ممن لا يعرفون حقيقته – رمزا للظلم والطغيان والقمع والقهر ضد الرعية ، كما يمثل صورة لشخص ساذج يمكن الضحك عليه والتلاعب به . ولكن الحقيقة غير ذلك تماما ؛ لأنه بالفعل قد تم الافتراء عليه في أحد الكتب الذي لاقى رواجا كبيرا في الأسواق رغم كذبه .
وقد قيل عن قراقوش إنه والي عكا الذي خان صلاح الدين الأيوبي ، وقام بتسليم المدينة أثناء الحملة الصليبية بقيادة ريتشارد قلب الأسد .

وهنا يبقى السؤال : من السبب في تشويه صورة بهاء الدين قراقوش ؟ السبب هو كتاب صغير الحجم قليل الصفحات ، حوى الكثير من الأكاذيب ضد بهاء الدين قراقوش ، وكان اسم الكتاب ، “الفاشوش في حكم قراقوش” ، والذي كتبه الأسعد بن مماتي ، وقد تم تأليف الكتاب في عهد صلاح الدين الأيوبي ، ولاقى انتشارا واسعا ، ومع الأسف نقل عنه بعض المؤرخين كذبا وعدوانا . والكتاب عبارة عن ٢٣ قصة ساذجة مليئة بالأكاذيب التي لاعلاقة لها بالواقع أو بشخصية بهاء الدين قراقوش .

من القصص التي ذكرها كتاب “الفاشوش في حكم قراقوش” ، أن سيدة ذهبت لقراقوش تشتكي له من ابنها ، فحكم عليه بالسجن سنة ، وبعد سجن الابن ندمت الأم ، وذهبت في اليوم التالي لمقابلة قراقوش ، وعندما سألت الحرس عما تفعله أشاروا عليها بأن تقابل قراقوش وتقول له إن السنة قد انتهت . وبالفعل قابلت السيدة قراقوش وحدثته عن انتهاء مدة سجن ابنها ، فرد عليها قائلا : لايزال باقي أسبوع على خروج ابنك ، فجاءت الأم في اليوم التالي ، وقالت له إن الأسبوع قد انتهى ، فأمر بالإفراج عن ابنها قائلا له : لو حدث منك أن أهنت أمك ثانية ، فسوف أسجنك عامين وليس عاما واحدا .

ومن القصص التي صاغها الكتاب أيضا ، أن أحد الأشخاص ذهب إلى قراقوش يشتكي له أن أحدا قام بعضه في أذنه ، فرد المشكو في حقه قائلا : بل هو الذي عض نفسه ، فدخل بهاء الدين قراقوش إلى إحدى الغرف محاولا عض أذنه ، فوقع على الأرض وكسرت ذراعه ، فخرج على المشكو في حقه وأمر بضربه بسبب كذبه . حوى الكتاب عشرات القصص الكاذبة ، ولكن الكثيرين قاموا بتصديقها ؛ لأن الكتاب اعتمد على الأسلوب الفكاهي الذي يحبه ويميل إليه المصريون ، وكذلك الغرابة ؛ لأن القصص الغريبة يميل الكثيرون لتصديقها ، بالإضافة إلى شدة المبالغة ، حيث احتوى الكتاب على مبالغات كثيرة جدا ، جعلت الناس تقول إنه من المستحيل أن يكون هذا الكلام غير صحيح ، بالإضافة إلى التشنيع بذكاء وحنكة ، جعلت الكتاب ينتشر ويلقى رواجا في الأسواق رغم كذبه .

استخدم الكاتب أيضا اللغة العامية في كتابه ، وهو أسلوب سهل الفهم قريب من ثقافة الناس ؛ لذلك انتشر كتاب “الفاشوش في حكم قراقوش” ، ولاقى قبولا واسعا بين عامة الناس ، على الرغم من أن كل ما في الكتاب غير صحيح ، ولا يمت للتاريخ بأي صلة . وصف المقريزي الكتاب بأنه عبارة عن مجموعة أكاذيب ، وأنه زيف ولا أساس له من الصحة . أما الحقيقة ، فإن قراقوش كان وزيرا لصلاح الدين الأيوبي ، ولقب بين المصريين ببهاء الدين لشدة ورعه وتقواه ، وقد ترك إرثا أثريا كبيرا ، مثل سور القاهرة ، وقلعة الجبل ، والقناطر ، بالإضافة إلى قيامه بقتل كل نسل الفاطميين الطامعين في حكم مصر حتى لا تقوم لهم قائمة .

لم يخن والي عكا ، بهاء الدين قراقوش المسلمين ، فقد ظل يتصدى للحملة الصليبية لمدة عامين ، حتى انقطعت عنه الإمدادات تماما ، فاضطر للاستسلام ، وذهب إلى صلاح الدين الأيوبي فأحسن استقباله . وهو ما كتبه ابن شداد في كتابه “محاسن اليوسفية” ، كما امتدح صلاح الدين الأيوبي بهاء الدين قراقوش لصلابته وتصديه لحصار الحملات الصليبية الثلاثة على مدار عامين .

ذكر ابن إياس في كتاب “بدائع الزهور” : كان قراقوش قائما بأمور الملك ؛ ليسوس الرعية في أيامه أحسن سياسة ، فأحبه الرعية ودعوا له بطول البقاء . قال عنه ابن خلكان في كتابه “وفاة الأعيان” : كان حسن المقاصد جميل النية ، وكان له حقوق كثيرة على السلطان وعلى الإسلام والمسلمين .
كما ذكره ابن تغري البري في كتابه “النجوم الزاهرة” ، فقال : كان رجلا صالحا غلب عليه الانقياد إلى الخير ، علم عنه السلطان الفطنة والنباهة ، وكان إذا سافر السلطان من مصر إلى الشام في زمن الربيع ، وكل إليه حكم البلاد .

توفي بهاء الدين قراقوش سنة ٥٩٧ هجرية ، وقد تعرض لتشويه صورته ؛ لأنه ساهم في القضاء على الخلافة الفاطمية ، كما تم تشويه كل من فعل ذلك من جانب الفاطميين أو الشيعة ، ومنهم صلاح الدين الأيوبي نفسه ، وخلفاء بني العباس في بغداد . أما مؤلف الكتاب ، فقد كان مسئول ديوان الجيش في نهاية الدولة الفاطمية ، وكان من المقربين إلى الفاطميين ، وعلى الرغم من عمله مع صلاح الدين في الدولة الأيوبية ، إلا أنه لا يخفى على أحد التقيه لدى الشيعة .