ثورة ٢٣ يوليو .. الثورة البيضاء التي لم ترق فيها دماء .. العصر الذهبي لعهد جديد من الحرية والاستقلال

ثورة ٢٣ يوليو .. الثورة البيضاء التي لم ترق فيها دماء .. العصر الذهبي لعهد جديد من الحرية والاستقلال

كتبت : جيهان الجارحي

ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ ، هي انقلاب عسكري قام به ضباط الجيش المصري ، أو من يطلق عليهم الضباط الأحرار ، ضد الحكم الملكي الموالي للاحتلال البريطاني .
اندلعت الثورة عقب حل الأحزاب السياسية ، وكان من ثمارها الإطاحة بالملك فاروق ونفيه إلى إيطاليا ، وإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية ، وإنهاء حقبة من الاحتلال البريطاني على مصر دامت لأكثر من سبعين عاما ، وبداية عهد جديد من الحرية والاستقلال والديمقراطية ، هو عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر .

كانت المملكة المصرية مدعومة من قبل المملكة المتحدة ( بريطانيا) ، بينما حركة الضباط الأحرار كان يدعمها الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية .
كان من ضمن أعضاء مجلس قيادة الثورة : اللواء محمد نجيب “الرئيس” ، وجمال عبد الناصر ، ومحمد أنور السادات ، وعبد الحكيم عامر ، وصلاح سالم ، وجمال سالم ، وزكريا محيي الدين ، وعبد اللطيف البغدادي ، وكمال الدين حسين ، وعبد المنعم أمين ، وجمال حماد ، وغيرهم .

بعد حرب ١٩٤٨ وضياع فلسطين ، ظهر تنظيم الضباط الأحرار في الجيش المصري ، بزعامة اللواء محمد نجيب ، وقيادة البكباشي جمال عبد الناصر ، والبكباشي هي تسمية تركية في ذلك الوقت برتبة مقدم حاليا . قام التنظيم بانقلاب مسلح أبيض ، نجح خلاله في السيطرة على زمام الأمور في البلاد ، حيث أصبحت تحت سيطرة مجلس قيادة الثورة المكون من ١٣ ضابطا برئاسة اللواء محمد نجيب ، كما أجبر التنظيم الملك فاروق على التنازل عن العرش لولي عهده الأمير أحمد فؤاد ، ومغادرة البلاد في ٢٦ يوليو ١٩٥٢ ، ثم ألغيت الملكية وأعلنت الجمهورية في ١٨ يوليو ١٩٥٣ .

كان قائد التنظيم هو اللواء محمد نجيب ، حيث تم اختياره من قبل الضباط الأحرار ، وكان أحد العوامل الهامة لنجاح الثورة . نشب صراع على السلطة بين اللواء محمد نجيب وجمال عبد الناصر ، بعد أن رأى محمد نجيب ضرورة تسليم السلطة لسلطة مدنية منتخبة ، ولكن جمال عبد الناصر استطاع أن يحسم الصراع لصالحه ، وحدد إقامة اللواء محمد نجيب في قصر زينب الوكيل (حرم مصطفى النحاس باشا ) بضاحية المرج شرق القاهرة حتى وفاته ، وتولى هو حكم مصر من عام ١٩٥٤ وحتى عام ١٩٧٠ ، حيث وافته المنية .

كان لثورة يوليو ١٩٥٢ مبادئ ، منها : القضاء على الإقطاع ، والقضاء على الإستعمار وأعوانه ، والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم ، وإقامة جيش وطني قوي ، وتحقيق العدالة الاجتماعية ، وأخيرا إقامة حياة ديمقراطية سليمة .

في صباح يوم ٢٣ يوليو ١٩٥٢ ، تم إذاعة البيان الأول للثورة بصوت الزعيم الراحل محمد أنور السادات ، وإليكم نص البيان :
من اللواء أركان حرب محمد نجيب ، القائد العام للقوات المسلحة ، إلى الشعب المصري ،
“اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم ، وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش ، وتسبب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين . أما فترة ما بعد هذه الحرب ، فقد تضافرت فيها عوامل الفساد ، وتآمر الخونة على الجيش ، وتولى أمره إما جاهل أو خائن أو فاسد ؛ حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها . وعلى ذلك ، فقد قمنا بتطهير أنفسنا ، وتولى أمرنا في داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفي خلقهم وفي وطنيتهم ، ولابد أن مصر ستتلقى هذا الخبر بالابتهاج والترحيب . أما من رأينا اعتقالهم من رجال الجيش السابقين ، فهؤلاء لن ينالهم ضرر ، وسيطلق سراحهم في الوقت المناسب .
وإني أؤكد للشعب المصري أن الجيش اليوم كله أصبح يعمل لصالح الوطن في ظل الدستور ، مجردا من أية غاية ، وأنتهز هذه الفرصة ، فأطلب من الشعب ألا يسمح لأحد من الخونة بأن يلجأ لأعمال التخريب أو العنف ؛ لأن هذا ليس في صالح مصر ، وأن أي تصرف من هذا القبيل سيقابل بشدة لم يسبق لها مثيل ، وسيلقى فاعله جزاء الخائن في الحال ، وسيقوم الجيش بواجبه هذا متعاونا مع البوليس . وإني أطمئن إخواننا الأجانب على مصالحهم وأرواحهم وأموالهم ، ويعتبر الجيش نفسه مسئولا عنهم ، والله ولي التوفيق ” .

كان لثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ إنجازات عظيمة لا يمكن أن تنسى ، هي باقية في ذاكرة التاريخ بقاءا سرمديا ، فمن الناحية السياسية تم تأميم قناة السويس ، كما تم استعادة الكرامة والحرية التي سلبت على أيدي المستعمر الغاشم ، تم كذلك السيطرة على أمور الحكم في مصر وإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية ، تم أيضا إجبار الملك فاروق على التنازل عن العرش والرحيل عن مصر إلى إيطاليا ، ثم توقيع اتفاقية الجلاء عام ١٩٥٤ التي بمقتضاها تم رحيل المستعمر البريطاني عن مصر عام ١٩٥٦ بعد احتلال دام لنحو ٧٤ عاما .
تم كذلك بناء حركة قومية عربية للعمل على تحرير فلسطين ، ثم إلغاء دستور ١٩٢٣ في ديسمبر عام ١٩٥٢ .

من الإنجازات الثقافية لثورة يوليو ، إنشاء الهيئة العامة لقصور الثقافة والمراكز الثقافية ، كما تم رعاية الآثار والمتاحف ودعم المؤسسات الثقافية .
من الإنجازات التعليمية لثورة يوليو ، أنها قررت مجانية التعليم ، ومجانية التعليم العالي ، كما ضاعفت من ميزانية التعليم العالي ..تم كذلك إنشاء عشر جامعات في جميع أنحاء البلاد ، وإنشاء مراكز البحث العلمي وتطوير المشافي التعليمية .

أما من الناحية الاقتصادية والاجتماعية ، فتعد الثورة بمثابة العصر الذهبي للطبقة العاملة الكادحة ، التي عانت من الظلم والاستبداد وفقدان العدالة الاجتماعية ، فتم إصدار قانون الملكية في ٩ سبتمبر ١٩٥٢ ، كما تم القضاء على الإقطاع .
لقد تغيرت البنية الاجتماعية للمجتمع المصري بعد زوال الفوارق بين الطبقات وصدور قانون الإصلاح الزراعي ، الذي بمقتضاه تم تحرير الفلاح المصري من العمل الشاق كأجير في أرض لا يملكها مقابل مبالغ زهيدة لا تكاد تسد الرمق .

هناك إنجازات عربية وعالمية لثورة يوليو ١٩٥٢ ، فمن الإنجازات العربية توحيد وتضافر الجهود العربية لصالح حركات التحرر العربية ، حيث أكدت الثورة للأمة العربية أن قوة العرب في وحدتهم ، فقامت الوحدة بين مصر وسوريا في فبراير ١٩٥٨ ، كما قامت الثورة بعقد اتفاق ثلاثي بين مصر والسعودية وسوريا ثم انضمت بعد ذلك اليمن . قامت ثورة يوليو بدعم الثورة العراقية ، كما دافعت عن حق الصومال في تقرير المصير . ساهمت الثورة في استقلال الكويت ، وساعدت اليمن الجنوبي في ثورته ضد المستعمر حتى نيل الاستقلال ، كما ساعدت الشعب الليبي في ثورته ضد الاحتلال ، ودعمت حركات التحرر في تونس والجزائر والمغرب حتى نيل الاستقلال .

أما الإنجازات العالمية ، فمنها تشكيل حركة عدم الانحياز مع يوغوسلافيا ، بقيادة الزعيم جوزيف بروز تيتو ، وكذلك مع الهند بقيادة جواهر لال نهرو .
من أجل القضاء على احتكار السلاح العالمي ، وقعت الثورة صفقة الأسلحة الشرقية عام ١٩٥٥ .
كان للأزهر الشريف دور بارز في نشر الدعوة الإسلامية في كل من أفريقيا وآسيا ، ترتب على إثرها أن دعت الثورة إلى عقد أول مؤتمر لتضامن الشعوب الأفريقية والآسيوية في القاهرة عام ١٩٥٨ .

إنها لذكرى خالدة في تاريخ مصر والعالم العربي ، سطرها التاريخ بحروف من نور على صفحات من ذهب ، ذكرى عظيمة نظل نرويها كل عام للأجيال الحالية والقادمة ، التي لا مناص في أنها ستشعر بالفخر والعزة والكبرياء ، فتتسلم الراية وتكمل المسيرة بعزم وتصميم وإرادة ومثابرة .. تحية تقدير واعتزاز لجيش مصر الباسل ، الذي يواصل النضال والعمل والتضحية بلا حدود على مر التاريخ وحتى يومنا هذا .