خواطر طفولية فى جسد خمسينى

خواطر طفولية فى جسد خمسينى

مازال ينتاب قلبى بارقة الابتسامة التى رمقتنى بها عندما مررت بجوارها، فضخ قلبى رسائله إلى ذاك الشريان الشبابي الذى يجول بداخل رأسى الذى ملئها الشيب،ولما لا فالحب لا يعرف وحدة قياس حياة الإنسان التى تعرف بالسن.

 

 فبدأ عقلى يرتدى أجمل الحلل ليستعد للقاء خيالى طال انتظاره منذ وقت طويل مع تلك الحسناء التى أصابته بحالة من التيه والذهول الجميل،تلك الحسناء التى قد تكون بحاجة إلى من يشعرها بدفء الحياه ،وكذلك أننى بحاجة ماسة إلى من يعوضنى عن ثقل الحياه،ومازال عقلى يسترسل عن تلك الحسناء.

 

لحظات وقف عندها الزمان.

 

فكانت المحطة الأولى تحمل كثير من الشفقة على تلك الحسناء،ليس لأنها معجبة بهذا العجوز ،ولكن لأنها لم تعاصر مرحلة العنفوان والقوة التى كان يرمز لها هذا الخمسينى عندما يسير بشوارع بلدته ليلا ونهارا.

 

ويجذبنى قلبى ويطرحنى عقلى أرضا لاستفيق من تلك الخواطر التى تنتزعنى بشدة وبهول كبير،نعم كنت شابا يافعا بعكس هؤلاء الشباب الذين تطوف بهم الفتيات السماء والأرض تفاخرا وسعادة.

 

وعندما عوداتنى اليقظة مرة أخرى لم أجد خير مثال على أيام صبايا وشبابى وشباب تلك الأيام ،سوى نباتا مشتدة جذوره تشكل قوامه من مواد عضوية نمت بتلك التربة،بينما شباب هذا العصر ما هم إلا نباتا ليس “أورجانيك” كما يقولون اشتد عوده ولكن خارت قواه!!.

 

نعم تلحتف رأسى بكثير من الشيب ولكن قد يكون أفضل بالنسبة للحسنوات من “هؤلاء” الذين يقبل أن نحذف صفة الإشارة بشأنهم ونضع مكانها “هن”،هؤلاء الذين يضفرون رؤوسهم، ماذا أقول ؟نعم مازلت أسيرا لوسوسة قلبى فأين عقلى؟؟

 

خواطرى تصل إلى محطة العقل.

 

كيف يمكن لى وأنا هذا الشخص الذى يبلغ من العمر الخمسون عاما أن أترك قلبى يتغزل بفتاة لم تكمل من العمر عقدها الثانى؟،استشعر الان وسط تلك المجادلات التى يتبناها عقلى ضد قلبى كما أنا صاغر وليس صغير!!.

 

رويدا رويدا يا قلبى لا تقودنى نحو الحافة التى تنزلق بها ،فليس كل صغير سن صاغر ذليل بينما كل صاغر فهو صغير فى عين نفسه وفى أعين الناس.

 

وعند تلك اللحظة يتدخل عقلى ليصدر حكمه ويهمس فى أذنى قائلا لا تجلد ذاتك بتلك الترهات فالحب هو العالم الذى يضع قوانينه الرجل والأنثى فقط، فإذا تقبلا مباحات ترفضه الناس فهذا ليس سوى تمرد على التعاسة،فالعمر لا يعطل الحب فكلما ازداد المحبين عمرا كلما صقلت معانى الحياة فؤادهم التى لا تدور فى فلك الألم والعشق والحزن والسعادة والضيق والرضا والقناعة… إلخ.

 

الحب والعمر ومعاهدة صلح بجسد خمسينى.

 

انتفض الخمسينى بقوة نحو تلك الرسائل التى يبعثها كل من العقل والقلب،ليجد فى النهاية أن حديث الناس بإسلوب حسن أو رديئ لن ينقص من سعادته بتلك الحسناء التى يجول بها خاطره،كما أنه لو اقتنع بأحكام وقوانين الحياه لم يغنيه ذلك عن سعادة موازية تعوضه عن ما يصبو إليه.

 

وهنا حضرت الحكمة لتصاحب الخمسينى فى ذلك السجال الذى تدور رحاه مع القلب والعقل، لتدعوه ليعيش حياته فى مضمار من الرضا عن خياراته بعيدا عن تلك الإملاءات التى يسوقها هؤلاء المتفيقهون،والذى تجعل من هذا الخمسينى مجرد حقل تجارب لأراء هؤلاء الذين يتبنون فقه الفذلكة.

 

وفى النهاية توصل الخمسينى إلى مبتغاه قائلا “عيش تلك الحياه وحيدا متذوقا حلوها ولا تعشها بمرارة حكمة استفتاء الاخرين”.