ذكرى وفاة الفنانة سناء جميل

ذكرى وفاة الفنانة سناء جميل

تقرير : أمانى أنور

هي زوجة العمدة القوية في “الزوجة الثانية” و ” المعلمة فضة المعداوي” التاجرة البورجوازية التي تمثل توحش رأس المال وسطوته في “الرايا البيضا” وهي “نفيسة” الفتاة البائسة في فيلم “بداية ونهاية” ودكتورة “رأفت ” الطبيبة الأرستقراطية في مسلسل “عيون” و “روحية” ام سيد تلك الأم الطيبة في الطبقة المقهورة في “اضحك الصورة تطلع حلوة” ، إنها الفنانة الرائعة سناء جميل . وسناء جميل عبقرية الأداء وروعة التمثيل ، فتجعل المشاهد يشعر انه أمام شخصية حقيقية ، يتفاعل معها ويتأثر بها و كأنه جزء أصيل من الاحداث ، فقد كانت سناء جميل كما يقولون بحق ” غول تمثيل ”

ومن خلال السطور التالية نتعرف اكثر على العملاقة سناء جميل.

اسمها الحقيقي ثريا يوسف عطا الله، ولدت في ٢٧ ابريل عام ١٩٣٠ في مركز ملوي التابع لمحافظة المنيا ، عمل والدها محاميا فى المحاكم المختلطة، التى ألغيت عام ١٩٣٦ ، أما والدتها فكانت خريجة كلية البنات الأمريكية بمحافظة أسيوط وكانا يعيشان مع ابنتيهما سناء وشقيقتها التوأم بمدينة ملوي ، قبل أن تنتقل الأسرة إلى القاهرة قُبيل الحرب العالمية الثانية . عندما وصلت الأسرة إلى القاهرة قامت بإيداع سناء في مدرسة “المير دي دييه” الفرنسية الداخلية وكان عمرها وقتها ٩ سنوات ، ظلت سناء داخل المدرسة الفرنسية حتى وصولها إلى المرحلة الثانوية، وشاركت خلال سنوات الدراسة في العديد من المسرحيات باللغة الفرنسية .

إلتحقت سناء جميل بالمعهد العالي للفنون المسرحية بدون علم شقيقها ، الذي كانت تقيم معه في القاهرة والذي قام بطردها بعد علمه بالأمر ، باﻹضافة إلى تبرؤ عائلتها منها ، لتجد باب الفنان الراحل زكي طليمات عميد المعهد التمثيل وقتها مفتوحًا لها، فألحقها بفرقة “المسرح الحديث” التي كوّنها، وقرر لها راتبا شهريا وهو ٦ جنيهات، وأسكنها في بيت الطالبات، مع أخذ تصريح تأخير استثنائي لها ، حتى تتمكن من إتمام بروفات وعروض المسرح حتى نهاية اليوم .

بعد تخرجها من المعهد ، إنضمت للعمل مع فرقة فتوح نشاطي المسرحية ، كما قدمت عدة أدوار سينمائية خلال فترة الخمسينات، لكنها إشتهرت على نطاق واسع بعد تقديمها لشخصية “نفيسة” من خلال فيلم (بداية ونهاية) عام ١٩٦٠ المقتبس عن رواية نجيب محفوظ الشهيرة، وقد روت “جميل” في أحد حوارتها الصحفية انها فقدت حاسة السمع بأحد الاذنين نتيجة “القلم” الشهير الذي صفعه اياها عمر الشريف ، مندمجا بشدة في الدور في فيلم “بداية و نهاية” .

هذا وقد شاركت “جميل” في عشرات الأفلام السينمائية و التي تعتبر بحق علامات بارزة في تاريخ السينما المصرية ، أبرزها (الزوجة الثانية، الشوارع الخلفية، المجهول، بداية و نهاية ، إضحك الصورة تطلع حلوة ، سواق الهانم ، اضحك الصورة تطلع حلوة )، كما عملت كذلك في الدراما التليفزيونية من خلال مسلسلات ( عيون ، خالتي صفية والدير، البر الغربي، الرقص على سلالم متحركة، الراية البيضا، ساكن قصادي) .

وأما عن المسرح فقد قدمت الفنانة الكبيرة ٤ مسرحيات على المسرح القومي وكان بعنوان “وشم الوردة” عن نص لـ “تينسي ويليامز” ، لكنها سرعان ما غابت عن المسرح لمدة خمس سنوات عادت بعدها لتقدم مسرحية لـ “سترندبرج” بعنوان “رقصة الموت” باللغة الفرنسية ، وشاركها البطولة النجم الفنان جميل راتب والممثل الفرنسي “كلودمان” وقد عرضت المسرحية في باريس واستمر عرضها في عدة مدن فرنسية خلال العام ١٩٧٧ وسط اقبال منقطع النظير من الجمهور الفرنسي .

تزوجت الفنانة سناء جميل من الصحفي الكبير “لويس جريس” ، وقد روى “لويس جريس” في حوار له مع الإعلامية لميس الحديدي، ببرنامج “هنا العاصمة” ، قصة الزواج ، قائلًا إنه التقى بها لأول مرة بعد عودته من جامعة “ميتشجان”، بعدما تعرف عليها في بيتها عن طريق إحدى زميلاته الصحفية خديجة صفوت، وزادت الروابط أكثر بعد وجود علاقة صداقة تجمعهما لما يقرب من ٤ أعوام ، مضيفًا : “في يوم ٢٧ أبريل ١٩٦١ كنا نتناول الغداء سويًا وقلت لها (سناء على فكرة انتي عايشة لوحدك وأنا عايش لوحدي، ما تيجي نعيش مع بعض)، ضحكت وسكتت، ظّللنا بعدها لا نتحدث ولا نتهاتف حتى ١٥ يونيو ١٩٦١، تلقيت اتصالا تليفونيًا منها، وقالت لي (هو أنت لما كنت بتقول ما تيجي نعيش مع بعض كنت تقصد نتجوز؟ قولتلها أه.. قالت نتجوز يوم السبت)” ليتم لزواج بالفعل عام ١٩٦١ .

ومن المفارقات التي حكى عنها الصحفي الكبير لويس جريس انه ولفترة طويلة وقبل زواجه من سناء جميل ، كان يعتقد خطئا أنها مسلمة، خاصة وأنها كانت كثيرًا ما تردد عبارات مثل “والنبي” و “والله العظيم”، ولكنه قرر أن يصارحها في إحدى المرات معاتبا القدر قائلًا  “لو مكنتيش بس انتي مسلمة وأنا مسيحي كنت طلبتك للجواز”  فابتسمت “سناء” جميل قائلة : “أنا مسيحية يا لويس وموافقة” ، فدمعت عيناه فرحًا ، ليكلل حبهما بالزواج الذي استمر قرابة الأربعين عامًا، دون أن يربط بينهما أبناء، بعد أن اتفقا على عدم الإنجاب وكل ما ربط بينهما هو الحب فقط .

وعلى الرغم من اعتناق الفنانة القديرة سناء جميل الديانة المسيحية، إلا أنها كانت تطرب بسماع صوت الآذان ، وذات يوم فوجئت بتغيير شيخ المسجد المقابل لمنزلها، ورأت أن صوت المؤذن الجديد لم يكن أفضل، فطلبت من زوجها الصحفى الراحل لويس جريس الاتصال بوزير الأوقاف آنذاك ودعته لتناول كوب من الشاى فى منزلهما، والاستماع لصوت آذان العصر . وفى خلال أسبوع استجاب لها الوزير وقام بتغيير المؤذن خصيصا حتى تستطيع سماع الآذان كما اعتادت عليه .

وقد حصلت الفنانة القديرة سناء جميل على العديد من جوائز وزارة الثقافة ووزارة الإعلام وعلى وسام العلوم والفنون عام ١٩٦٧ كما تم تكريمها في مهرجان الأفلام الروائية ١٩٩٨ . وقد تمنت “جميل” أن تجسد دورا يجمعها مع الراحل أحمد زكي ، فهاتفته لطلب ذلك ، فما كان من النمر الأسود إلا أن وافق على مشاركتها، فكان فيلما “سواق الهانم” و “اضحك الصورة تطلع حلوة” ، اللذان حققا نجاحًا كبيرًا عند عرضهما.

عانت الفنانة الراحلة سناء جميل في أخر أيامها من سرطان الرئة ، وقد أسرّت لزوجها الكاتب الصحفى الكبير لويس جريس قبيل وفاتها ، بأن لو عاد بها الزمن إلى الوراء كانت ستتوقف عن التمثيل ، وتفصل ملابس بتصميمات مميزة وتنجب أولادا يملؤون حياتها . وترحل الفنانة الكبيرة عن عالمنا في ٢٢ ديسمبر عام ٢٠٠٢ بعد صراع طويل مع المرض ، و يرفض زوجها دفنها على الفور، ويمهل نفسه ثلاثة أيام لنشر إعلان الوفاة فى كل الصحف المصرية، والأجنبية، على أمل ظهور أى من أقاربها للمشاركة فى جنازتها، ولكن دون جدوى ، فلم يظهر أحد ، ودُفِنت سناء جميل فى اليوم الرابع من وفاتها وخرجت جنازتها من الكتدرائيه المرقسيه بالعباسية ، لتظل ذكراها و أعمالها خالدة في قلوب كل المصريين والعرب .