محمد حجازي يكتب.. حكاية “رجل الثلج” حلقة الوصل بين الأوروبيين وأجدادهم

محمد حجازي يكتب.. حكاية “رجل الثلج” حلقة الوصل بين الأوروبيين وأجدادهم
رجل الثلج أو اوتزي

اكتُشف رجل الثلج “أوتزي” الذي ينظر إليه الاوربيون على انه حلقة الوصل بينهم وبين اجدادهم، في سبتمبر 1991 في منطقة تيرولين الألب بين إيطاليا والنمسا، ونُشرت صورة جثته على غلاف مجلة التايمز في أكتوبر 1992 في المساحة المخصصة للمشاهير والسياسيين. وعلى الرغم من كل هذه الضجة التي اثارها، الا انه لم يكن سوى رجل عاديًا على عكس فراعنة مصر، فلم يكن إلا راعياً يحمل معه أدوات بدائية بسيطة. ولكن دعونا نعرف ما هي الأدوات التي وجدت معه؟ وما هو عمره؟ وإلى أي عصر ينتمي؟

اكتشاف مقبرة توت عنخ امون
اكتشاف مقبرة توت عنخ امون

 

تخبرنا أساليب علم الآثار بكل ما نريد أن نعرفه عن رجل الثلج، أما علماء الانثربولوجيا الفيزيائية وعلماء الأحياء يدرسون جسم الإنسان نفسه. كان رجل الثلج يحمل معه فأس معدنية، اُعتقد في البداية أنها من البرونز لأنها تشبه إلى حد كبير تلك التي تم العثور عليها في المواقع التي يرجع تاريخها إلى العصر البرونزي ابتداء من 2200 ق.م. مع ذلك عندما تم أخذ عينات من رجل الثلج وتأريخها باستخدام الكربون المشع تبين أنه توفي في الفترة من 3000 إلى 3500  أي أوائل العصر النحاسي. تم تحليل نصل الفأس وتبين أنها صنعت من النحاس، وكانت ذات حواف ويعد هذا تطور غير عادي في هذه الفترة. وتشبه هذه الفأس في حوافها البارزة ما وجد في مقبرة قريبة في ريميديلو Remedello، ولكن هذا كان بعد 500 سنه من فترة رجل الثلج، وكانت بقية معداته أقل تشابهاً، والكثير منها فريد من نوعه، لأن الأشياء المصنوعه من الجلد والخشب نادراً ما يتم الحفاظ عليها.

 

رجل الثلج أو اوتزي
رجل الثلج أو اوتزي

 

كانت حقاً مجموعة رائعة من المعدات، أما ملابسه المصنوعه من الجلد فكانت مرقعة بصورة بدائية ربما رجل الثلج هو من قام بذلك بنفسه، حيث قام بجمع عدة جلود من حيوانات مختلفة ليصنع هذا الثوب، وكان حذائه مصنوع جيداً ومعزول بالعشب ضد البرد، وكان يرتدي قبعة مبطنة الفراء على رأسه.

كان رجل الثلج يحمل فيما يشبه حقيبة الظهر مصنوعة من الخشب أو مؤطره بالخشب ويضع فيها أمتعته، بما في ذلك جعبة مليئة بالسهام التي كانت لا تزال مربوطة ببعض الريش، وحول وسطه كان يرتدي حقيبة أو كيس جلدي يحتوي على بعض الأدوات المصنوعه من حجر الصوان والصوفان لكي يتمكن من إشعال النار. بالاضافة إلى أنه كان يمتلك وعاء من لحاء شجر البتولا، وكان محترق من الداخل، وكان يحمل في يده قوس من شجرة الطقسوس لم ينته من صنعه، ولذلك من المحتمل جداً أنه كان يحاول صناعة قوس جديد عندما لقى حتفه، لأن هذا الخشب هو من أفضل أنواع الأخشاب المخصصه لذلك.

وكان هناك أشياء أخرى مثيرة للإهتمام ولا سيما بعض أجزاء الفطريات المتناثرة على سير جلدي، المعروفة بقيمتها كمضاد حيوي، وربما هذه كانت بمثابة الإسعافات الأولية. هذا التطور في ملابس رجل الثلج وأدواته وعلمه بما هو في الطبيعة كان بمثابة مفاجأة.

عرف العصر النحاسي الأوربي من خلال علم الآثار، فكل ما نعرفه عن الناس في العصر النحاسي الأوربي ينبع من المواد التي خلفوها بجابنهم. علم الآثار يعني حرفياً دراسة الأشياء القديمة، ومن ثم فذلك يشير بشكل عملي إلى دراسة بقايا الأشياء القديمة التي صنعها القدماء منذ عصور بعيدة. استخدم علماء الآثار مجموعة واسعة من التقنيات بالاضافة إلى الاستعانة بالمتخصصين في المجالات الأخرى لحل ألغاز الماضي. وبالرغم من ذلك فإن علم الآثار أكثر من مجرد مجموعة من الأساليب والتقنيات اللازمة للكشف عن الحقائق الفردية المتعلقة بالماضي، فإن علم الآثار يقدم مجموعة متنوعة من الطرق لدمج هذه الحقائق المنعزلة في صورة واسعة لعالم الماضي ويصنع لها إطار لفهم كيفية تطور هذا العالم وتغيره.

في أوروبا لم يعرف الناس الكتابة خلال العصر النحاسي، ولكن يمكننا توقع اللغة التي كانوا يتحدثون بها. وذلك بعد مرور أكثر من 200 سنة قبل أن تشكل ملحمة هوميروس بداية التاريخ المكتوب في أوروبا. فتمثل أحداث العصر النحاسي وكذلك جميع الأحداث التي قام بها الانسان قبل ظهور السجلات المكتوبة عصور ما قبل التاريخ، حيث أن عصور ما قبل التاريخ وفقاً لعلماء الأثار هي كل الأنشطة والأحداث التي نعرفها قبل بداية التاريخ المكتوب، وعلم الآثار هو الوسيلة التي توصلنا من خلالها إلى هذه المعرفة.