حتشبسوت ورحلات بلاد بونت.. تاريخ العلاقات المصرية الافريقية

حتشبسوت ورحلات بلاد بونت.. تاريخ العلاقات المصرية الافريقية

صَوَّر الفنانُ المصري على جدرانِ معبد الملكة حتشبسوت بالدير البحري، التفاصيل الدقيقة لرحلة من أهم وأقدم الرحلات في التاريخ، انها رحلات بلاد بونت، فيمكننا أن نرى من خلال النقش الغائر؛ السفن الشراعية، وملك البلاد وزوجته، وما يرتديانه من أطواق وأساور حديدية وكذلك الأشجار والحيوانات.  ولكن ما هي بلاد بونت؟ ولما اهتم بها المصري القديم؟

رحلات بلاد بونت

 

يرى الكثير من العلماء ان بلاد بونت تمتد من جزيرة “سواكن” السودانية حتى سواحل الصومال، وتحديدا ما يعرف بأريتريا وجيبوتي حاليا، واستدلوا على ذلك من خلال الرسومات الموجودة على معبد الدير البحري، فلا شك أن الزرافة حيوانٌ إفريقي، كما أن رسومات مساكن أهل بونت تأخذ نفس أشكال المساكن الإفريقية عبر العصور، من حيث اقامتها على أعمدة، هذا بالإضافة إلى أن الصفات الجسدية لزوجةِ ملك بونت هي صفاتٌ إفريقية، كما ان الحلقات المعدنية في ساق زعيم بونت، هي نفس الحلقات التي تستعملها القبائل الإفريقية إلى اليوم.

كانت الرحلة تنطلق عبرَ ثلاثة مواني رئيسية على البحر الأحمر، وهي العين السخنة ووادي جرف ووادي جواسيس وصولا إلى أريتريا وجيبوتي وحتى سواحل الصومال، حيث تنمو أشجارُ البخور بكثافة، وكان للبخور أهمية كبيرة في طقوس المصريين، فكانوا يجلبون منها البخور للمعابد والذهب والأبنوس والعاج والنسانيس واللبان.

وعلى الرغم من المخاطر العديدة التي كانت تنطوي عليها هذه الرحلات في هذا الزمان، فقد حرصت عليها الملكة حتشبسوت لاكتشاف العالم من حولها ولتحقيق العديد من المكاسب الاقتصادية والحصول على النفائس الافريقية وتوطيد علاقاتها مع هذه الدول، ولعل اقدام حتشبسوت على تخليد هذه الرحلات على معبدها يدل على اعتزازها بهذا العمل التي عملت على سرد تفاصيله السعيدة في نصوص وأحاديث شيقة، ومن خلال صور ورسوم رائعة.

وتوضح هذه الرحلة المصورة على معبد حتشبسوت بالدير البحري، البعد الدبلوماسي، والاقتصادي، والتجاري، والبيئي لهذه الرحلات فضلا عن البعد السياسي، والخبرة الملاحية التي اكتسبها البحارة المصريون من الإبحار بالبحر الأحمر والنيل. وتشير إلى حرص المصري القديم على تحقيق التبادل الثقافي والتجاري مع البلاد الافريقية، لتحقيق المكاسب لجميع الأطراف، فإفريقيا سوقٌ مفتوحة على مصراعيها منذ القدم، ولعل الأزمة الحالية حول السد الأثيوبي، اكدت لنا على أهمية العمق الأفريقي وهو ما أدركه المصري القديم، وحرص على تصويره لنا.