سكان توراجا.. شعوب تقدس الموت و تحتفل مع الأموات

سكان توراجا.. شعوب تقدس الموت و تحتفل مع الأموات
سكان توراجا

تحمل عبارة الحياة بعد الموت كثير من المعاني المختلفة خاصًا لدى سكان توراجا، فهم يقدسون الموت فبدلًا من دفن الموتى على الفور تحتفظ أسرة الشخص المتوفي به لعدة أسابيع وأحيانًا  تصل إلى أشهر قبل وضعة في الضريح، وذلك ليعيش معهم كأي فرد من أفراد العائلة الأحياء ولكن لماذا يفعلون ذلك ؟؟

طبيعة توراجا

يعد سكان توراجا جماعة عرقية تعيش في منطقة جبلية بجنوب سولاويزي و إندونيسيا، والتي يبلغ عدد سكانها حوالى 1,100,000 ومنهم 450,000 يعيش في وصاية من تانا توراجا أو كما يطلق عليها أرض توراجا، فتلك السكان يعتقدون أن الأشخاص لا يموتون حقًا بل أن أرواحهم تبقى موجودة مما يجعلهم يحتفظون بالجثث لشهور حيث تعيش معهم جنبًا إلى جنب، فضلًا عن أن عملية الدفن لا تتم حتى يجتمع كافة الأقارب الذين يأتون من مختلف المناطق البعيدة في مكانًا واحدًا.

فقد عاش شعب توراجا قبل القرن العشرين في قرى مستقلة ذاتيًا، حيث مارسوا الأرواحية وكانوا معزلوين تقريبًا عن العالم الخارجي، ولكن في أوائل القرن العشرين عمل المبشرون الهولنديون على دعوة سكان المرتفعات التوراجيين إلى اعتناق الديانة المسيحية.

فتلك السكان يشتهرون بطقوس جنائزية متقنة التفاصيل، حيث تكون مواقع الدفن منحوتة في المنحدرات الصخرية، بينما تكون المنازل التقليدية الضخمة ذات أسقف مرتفعة يطلق عليها اسم (تونغونان) وذلك بجانب النقوش الخشبية الملونة، فتلك الطقوس تعتبر أحداث اجتماعية مهمة لذلك يحضرها مئات الأشخاص وتستمر لعدة أيام.

طقوس جنازة توراجا

تعد طقوس عملية دفن الموتى لدى سكان قرية توراجا الأكثر غرابة في العالم، حيث يبدأ من تجميد الموتى لسنوات في منازلهم مع تقديم وجبات الطعام لهم  معتقدين أنهم  مازالوا في حالة المرض المخدر،  وذلك يستمر حتى تجميع مصاريف الجنازة والتي تتكلف المئات من القرابين.

بينما يعتبر الدفن لديهم لا يعد المثوى الأخير لهم بل هو سكن مؤقت وذلك من خلال حقن المتوفي بمادة الفورمالدهيد والتي  تمنع الجثة من التحلل، كما يظل الشخص في منزلة بغرفته لعدة سنوات أو شهور حيث يقومون برعايتهم وتغيير ملابسهم وتقديم الطعام لهم ويتحدثون معهم.

كما عند الدفن يتم وضع الجثة داخل صندوق خشبي لكنه لا يدفن في الأرض وإنما يوضع داخل مغارة طبيعية، وذلك ليتمكنوا من إخراج جثامين أقاربهم كل عام في شهر أغسطس خلال تقليد (ماينين) أو كما  يطلق عليه اسم (حفل تنظيف الجثث)،  حيث يتم نقل الجثث إلى الأماكن التي توفوا فيها ويتم استبدال الأكفان والنعوش المتهالكة والقديمة بأخرى جديدة إضافة إلى استحمام الموتى بالمياه للانتعاش وإلباسهم ملابس جديدة وتجهيزهم  ليبدوا  في أحسن حال.

حيث يعد الاعتقاد السائد لدى سكان القرية هو أن أرواح الموتى لابد أن تعود لمسقط رأسها، لذلك إذا أي توفي شخص ينبغي على العائلة أن تذهب لمكان موته وتصطحب المتوفي مشيًا للقرية، لذلك يخافون الأشخاص من الذهاب لرحلة بعيدة على بعد مسافات طويلة،  لأنه في حالة وفاتهم لن يقدرون على مشي تلك المسافة الطويلة.

سكان توراجا
سكان توراجا

قداسة الموت

يعد الموت لدى سكان توراجا له قدسية خاصة نظرًا إلى أن رحلة الانتقال إلى العالم الآخر دائمًا ما تكون فكرة تثير القلق والخوف عند الكثيرون منذ القدم ، ولهذا ارتبط الموت بكثير من المعتقدات والتي اختلفت من حضارة إلى أخرى ومن ثقافة إلى ثقافة مختلفة ومن شعب إلى آخر لكن هناك مايجمعهم رغم اختلاف تلك المعتقدات وهو قدسية الموت لتلك الرحلة المهيبة التي تنتقل منها الروح إلى عالم آخر.

لذلك يعتبر الموت لدي سكان توراجا أمر اقتصادي و محوري، حيث تظل العائلات تدخر لعدة  سنوات حتى يتمكنوا من تحمل تكاليف الجنازة والتي تصل  إلى 18 ألف دولار وذلك يكون  للجنازات المتوسطة،  بينما تصل إلى 73 ألف دولار للجنازات الكبيرة .

أهمية الجنازات

يعد الموت لدى سكان توراجا من الأمور الهامة حيث يصبح الموت إحدى سبل العيش لآلاف الأشخاص من عمال المزارع الذين يعتنون بالماشية القربانية باهظة الثمن والمطاعم والفنادق لإقامة الضيوف والحرفيين الذين يقومون بتصنيع تماثيل ( تاو تاو) الخشبية الخاصة بيتزين القبور.

لذلك  تكون دائمًا استعدادات الجنازات باهظة الثمن لدرجة أن الأجيال المتعاقبة ستثقل كاهلها بالديون المرهقة، حيث أصبحت  أحداث الجنازات تستمر لمدة أسبوع لتشمل ذبح مئات الماشية واستقبال آلاف الضيوف وتبادل الهدايا والمال والطعام وصناعة تمثال (تاو تاو ) كذكرى للمتوفي حيث يتم نحت صورة المتوفي في الخشب ووضعها على قبره لتجسيد روحه فيها.

أغرب العادات

فسكان توراجا يمتلكون عادات غريبة فعند دخولك إحدى منازل التوراجان يعرفونك على الجد الأكبر وهو مرتدي ملابسه الأنيقة ونظاراته المميزة حيث تظن أنه على قيد الحياة،  ولكن عدم تفاعله معك يجعلك تتوجه بالسؤال عن السبب لتكون الإجابة أنه متوفي منذ عشرات السنين أو الشهور وبقائه في منزله لسبب هام وهو عدم الانتهاء من استعدادات الجنازة الخاصة به.

لذلك تعد الجنازة لدى ثقافة التوراجان أهم يوم في حياته الشخص المتوفي  فهو يسافر فيها إلى مملكة الروح،  لذلك يجب أن يكون السفر إلى العالم الآخر مميز دون النظر إلى التكلفة،  نظرًا إلى أن المجتمع لا يحترم  من يقوم بجنازة صغيرة.

كما أنهم يقومون بتغيير ملابسهم وتنظيفهم من الحشرات والطفيليات والتصوير معهم والسير بهم وهم يرتدون ملابسهم الجديدة في القرية فذلك يكون احترامًا لهم، كما أنهم يقومون  بقضاء يوم مع العائلة والأحفاد والأبناء وبعدها يتم دفنهم مرة أخرى في قبورهم ومع الوقت تحول هذا الاحتفال إلى موسم سياحي لهذه القبيلة لمشاهدة هذا الحدث الغريب.