شهيد ٢٥ يناير ينادي.. افتحوا لنا قبور الثورة

شهيد ٢٥ يناير ينادي.. افتحوا لنا قبور الثورة

” أنا قتيل ٢٥ يناير.. وأنا الضحية.. وأنا الشهيد وأنا الشارد والغايب.. أنا الغريق
قولوا لمصر عن لساني.. مكنش العشم أموت في حبك.. ولا تجيش تاخدي عزايا”

ببضع كلمات لا أكثر افتتح ” زين” رسالته في ذكرى استشهاده الحادية عشر، ليخبرني عن حاله في عالمه الآخر.

ويطمئن عن أحوالنا، لم يخلُ سطرا في رسالته إلا من سؤال، سألني عن أخبار أبيه، وأحوال والدته، وأخوته السبعة، والجيران، وأهل الحي.

رسالة من شهيد ٢٥ يناير

سألني عن الأمطار وأوراق الشجر، سألني عن صبية الحي، سألني عن سيناء ونجومها الزرقاء، سألني عن حي عابدين، والدرب الأحمر، سألني عن مصر الوطن.

في الذكرى الحادية عشر للثورة، يسألني بكل هدوء، هل خلعت أمه السواد؟

كان في استرساله في التساؤلات يحمل في طياته شيئا من الفتور، قد لمسته في كلماته وسطوره.

وكأنه يعرف الإجابة مسبقا، وكأنه يوجه أسئلته بقصد التقرير والتوبيخ وليس الإستفهام.

ذكرى..

في الذكرى الحادية عشر للثورة، وقد عبرت بأيامها سن الفطام، وصار الوليد صبيا يافعا، مقبلا على الحياة بروح وريحان.

وحب وحياة، تدق جدرانه أفكار المراهقة، وجموحها وطيشها، فهل لأبويها فيها متكأ يرتكزا عليه بعد تقدم العمر.

وهل تصمد في مواجهة التحديات ولا تخيب ظن أخواتها بها، أم أنها تنسحب إلى حيث قد أتت، وكأن شيئا لم يكن.

حقيقة الأمر فإني أمام سيل هذي التساؤلات وقد أسقط في يديّ، تجمدت الدماء في عروقي، وتيبست أوردتي.

كيف أخبره؟، وعن ماذا أجيبه؟، ولكن للأمانة العلمية ولمسؤولية الضمير فقد آثرت أن أخبره بكل تفاصيل الأحداث دون تحريف أو تزوير.

آثرت أن أكون معه شهيدا أسبقه إلى حيث قد ذهب.

أخبرته أن الرخاء الذي ضحى من أجله قد حل سائر البلاد، وأن البلاء قد حل محله البناء.

وأن المجتمع سلك بوعيه واستقلاله طريق التقدم والإزدهار، وأن الحصة التموينية للمواطن بلغت أضعاف الأضعاف.

ورغيف الخبز يا صديقي مدعوم بملايين الدولارات.

أخبرته أن الديمقراطية المنشودة قد صارت وطنا كبيرا لجميع الضعفاء.

ودولة القانون صارت سيفا فوق جميع الرقاب، وأن أباه من فرط سعادته مات منتشيا بفرحة الإنتصار.

أخبرته أن الدواء وحق العلاج أصبح بالمجان، حتى أن عبده ” المكوجي” حين علمت الإدارة الصحية بوعكته، صدر قرار بانتقال الوفود الطبية إليه لبحث علته، ومداوته.

وبرروا تلك المبادرة بأن صحة المواطن أهم وأقدس من تراب الوطن، ولا فرق في ذلك بين غني وفقير، فاطمئن في مرقدك يا “زين”.

أخبرته عن أحوال أمه، وأن كل شيء على ما يرام، ولم تعد بحاجة لجلسات العلاج الطبيعي.

إذ كنت كثيرا ما تقترض من راتبك لسداد تكاليفها، وأنها لم تعد بحاجه إلى روشتة الدواء باهظة الثمن.

لأنها توفت بذبحة صدرية عشية الحكم في قضية ” القرن”، أخبرته أننا جميعا بخير على قوائم الإنتظار ننتظر الموت.

وفي لفتة مني رأيته يرفع رأسه وينظر نحوي بعينين راجفتين، تكاد تبوح بما لم يبح لسانه.

وقال لي بصوت ضعيف : ألمْ يأن لنا أن تُفتحَ قبور الثورة لنفرح معكم.