طبيب أرياف..تجربة حقيقية يرويها الدكتور محمد المنسي قنديل

طبيب أرياف..تجربة حقيقية يرويها الدكتور محمد المنسي قنديل

يروي الدكتور محمد المنسي قنديل في روايته طبيب أرياف رحلته في تكليفه الأول بعد تخرجه من كلية الطب.

حيث تم تكليفه بالعمل في وحدة صحية فقيرة في قرية ريفية نائية لا يمكن الوصول إليها إلا بالقافلة “أحلاهم” التي استقلها الطبيب بطل روايتنا حيث تكون مكتظة بجموع الفلاحين المصطحبين بعض الحيوانات وتسير في طريقها المتعرج إلى تلك القرية المليئة بالحدائق الخضراء والنخيل حتى وصل للوحدة الصحية التي تعتبر أيضًا مكان مبيته.

تتكون تلك الوحدة من طابقين الطابق السفلي مخصص للعمل ويتكون من غرفتين إحداهما للكشف على المرضى والثانية مخزن للأدوية بها نافذة صغيرة ببعض القضبان وبها يتم صرف الأدوية لكل مريض حسب حاجته أما الطابق الآخر المخصص للمبيت يتكون من غرفة واحدة بها سرير ليسترح عليه ونافذة يتنسم بها بعض الهواء العليل حيث تقع تلك الوحدة في أطراف القرية بعيدا عن الزحام والصخب.

تساعده في العمل بالوحدة الصحية ثلاث ممرضات اثنين منهم كبار السن ولهم وجوه عبوسة والثالثة فرح ذات الوجه الحسن البشوش ودسوقي الذي يرافق الطبيب وينام معه في الوحدة ولا يفارقه على الإطلاق ويستيقظ قبله في الصباح الباكر ليحضر له الإفطار المكون من الخبز والجبن وبعض الخضراوات.

وفي كل يوم تكتظ الوحدة ببعض أهالي القرية منهم الجالسين على الأرض والمستلقين عليها كأنهم نقوش فرعونية مرسومة ولكن كانت الممرضات يخرجوهم خارج الوحدة ويصفوهم في صفوف حتى يستطيع الطبيب الكشف على كل المرضى.

وفي أحد الأيام الطويلة في تلك القرية النائية جاء إلى الوحدة الصحية رجل عجوز هزيل يحمل على يديه فتاة صغيرة ضعيفة فاقدة الوعي في البداية أبى الطبيب أن يدخله بداعي الانتهاء من العمل وحان وقت الراحة ولكن عندما شاهد الطفلة أدخله وقام بمعالجتها حتى انخفضت حرارتها وهدأ صدرها من السعال وساعدته في هذا الممرضة فرح ودسوقي وأبى الطبيب أن يأخذ أجره نظير ما فعله ما تلك الفتاة المسكينة.

وفي يوم آخر من أيام العمل الشاق في تلك الوحدة أرسل عمدة القرية إلى الطبيب يستدعيه لمنزله الكبير وعلى الفور اصطحب طبيب الأرياف دسوقي وفرح وذهب للمنزل ووجد رجل عريض المنكبين له هيبة ينتظره في أول البيت وأشار له أنه ليس المريض بل المريضة زوجته بانتظاره بالطابق الأعلى وعندما ذهب لها الطبيب طلبت منه أن يكونا بمفردهما فأرسل فرح إلى الغرفة المجاورة ودسوقي ظل في الطابق الأسفل حيث تحدثت زوجة العمدة مع الطبيب عما تعانيه من تعذيب نفسي وجسدي عند الجماع في الفراش وكان جوابه إعطاءها بعض الأدوية والفيتامينات وقال لها أنها تحتاج إلى طبيب نفسي وأعطاه العمدة حفنة من النقود وانصرف الطبيب من المنزل

في آخر الليل بعد انتهاء العمل في الوحدة كانت الممرضة فرح تخرج من الوحدة الصحية ويتبعها رجل طويل كظلها وكان الطبيب في حيرة من أمره من هذا ولماذا يتبعها هكذا أيام وأيام حتى عندما سأل دسوقي في يوم ما وأخبره بما نزل على رأسه كالصاعقة لأنه قد أحبها فأخبره أنه زوجها عيسى ينتظرها كل يوم ليأخذها للمنزل بعد انتهاء عمله.

طبيب أرياف وحنينه للماضي

وبعد أن سمع الطبيب هذا الخبر قرر أن يختلس بضعة أيام كإجازة من عمله في الوحدة فقرر العودة للمدينة حيث أخذه الحنين إلى غرفته القديمة الفقيرة والتي أخذ منها إلى السجن حيث كان سجينًا قبل تكليفه بالعمل في تلك الوحدة وقادته أرجله إلى المكان الذي سجن فيه في منطقة القلعة فتذكر كل شيء كم عذبوه و أهانوه .

وفي اليوم التالي قرر طبيب الأرياف أن يسترجع الحب القديم فقام بمهاتفتها في الهاتف طالبًا منها مقابلتها فوافقت وتقابلا وكانت الصاعقة الأكبر التي كانت تخفيها فكانت تخفي خاتم الزواج حتى لبستها أمامه ففزع وسألها وقالت له أنها تزوجت من ظابط شرطة فقرر على الفور طوي صفحات الماضي بكل ما فيه واستقل الحافلة أحلاهم عائدًا إلى القرية وإلى الوحدة الصحية واستكمال عمله مع فرح.

طبيب أرياف والجازية

عاد الطبيب إلى الوحدة الصحية واستكمل عمله وبينما كان يمشي مع دسوقي في يوم من الأيام بعد انتهاء العمل ليشاهد الحقول الخضراء والنخيل سمع أصوات صخب من بعيد فسأل دسوقي فأخذه إلى مكان تجمع الرجال وحدهم دون النساء بما يسمى “مكان الغجر” وهو المكان الذي يأتي فيه الغجر كل عام يرقصون ويغنون في موكب أشبه بالموالد.

وكانت تتوسط هؤلاء الغجر سيدة بدينة ترقص بكل جزء من جسمها وعندما انتهت من رقصها جذبت الطبيب من وسط جموع الحاضرين وأوفدته إلى سيدة عجوز تقرأ الطالع ولكنه لم يعجبه كلامها فأخذته الراقصة وتدعى “الجازية” إلى خيمة متسخة وبها الكثير من الرقع يجتمع بها الرجال وتتوسطهم على صندوق خشبي وتروي لهم بعض الحكايات فهناك من يريد حكاية”أبو زيد” ومن يريد حكاية “دياب” وأخذت تروي حكايتها مع قبيلتها وكيف عبرت الحدود التونسية وقاتلت حتى تحمي القبيلة من الجوع .

داهمت الشرطة المكان فجأة وكان طبيب الأرياف موجود ومعه دسوقي وعندما شاهد الشرطي هوية الطبيب تركه وأنظره من التواجد في مثل تلك الأماكن مرة أخرى.

مغامرة طبيب الأرياف مع الممرضة الحسناء

غابت فرح عن الوحدة والقرية بأكملها بضعة أيام فكان هناك حادث سعيد لإحدى قريباتها في المدينة فعندما علمت أنه يهواها قالت له أنها ستذهب للمدينة لزيارة قريبتها التي أنجبت مؤخرًا وطلبت منه أن يسبقها بيوم واحد.

فذهب طبيب الأرياف للمدينة وأخذ يبحث حتى وجد غرفة فقيرة في فندق هزيل بجانب المحطة التي انتظرها بالقرب منها في اليوم التالي واصطحبها للفندق الذي أخبرهم جميعًا فيه أنها زوجته حتى يستطيع ممارسة أي شيء معها دون خوف رغم أنه كان يخاف كلما طرق أحد باب الغرفة وقامت فرح بالاستجابة له وفعلت ما لم تكن تتخيل فعله مع هذا الطبيب فتحررت حتى من ملابسها هي والطبيب وقضا سويًا ليلة لا تنسى وعادا الاثنين إلى الوحدة الصحية الريفية لاستئناف عملهما كالعادة دون أن يلحظ أحد شيئًا.

وبعد أيام من زيارته للغجر في مكان تجمعهم وفي صباح يوم عمل عادي في الوحدة وجد الطبيب من النافذة سيارة شرطة تقف وتنزل منها سيدة ملقاه على ذراع أحد أفراد الشرطة حتى ساعده دسوقي وأدخلها الوحدة فكانت الجازية أصيبت مما فعلوه فيها رجال الشرطة بجروح في كل أجزاء جسمها فكانت تعامل بوحشية.

أخذ الطبيب يعالج الجروح والكدمات حتى مكان ما قام رجال الشرطة باغتصابها وهنا أوفد الممرضات لعلاج هذا المكان حتى أخذتها عائلتها من الوحدة الصحية.

طبيب أرياف

وفاة جليلة وانتخابات مزورة في الوحدة

وفي اليوم التالي وجد الطبيب ثلاث رجال ذو أجسام ضخمة داخل الوحدة الصحية يريدوه أن يذهب معهم فذهب معهم إلى منزل كبير ودخل غرفة وجد سيدة نائمة لا تتحرك ولا تتحدث تدعى جليلة فكشف عليها وجدها قد ماتت فقد قتلوها أقاربها ويريدوا منه أن يمضي لها شهادة الوفاة و لم يتم استدعاء الطبيب الشرعي وبعد ذلك قام أقاربها بتوصيلها في جنازة مهيبة لمثواها الأخير.

وفي يوم آخر وكان طبيب الأرياف قد انتهى من عمله ويغلق النافذة وجد سيارة الشرطة تقف أمام الوحدة ونزل منها ضابط له هيبة واضحة وأخذه خارج الوحدة وتحدث معه حول إجراء انتخابات رئاسية مزورة وطلب منه تعطيل الوحدة ليوم واحد حتى يستطيع إجراء الانتخابات وقام بإرسال الصناديق له.

وفي يوم آخركانت السماء ملبدة بالغيوم والأمطار كثيفة جاءت فرح مبللة الثياب والوجه إلى الوحدة الصحية التي كانت خالية إلا من الطبيب لتنزل صاعقة أخرى على رأسه لأنها كانت حاملًا منه يدب في أحشائها جنين فاقترح عليها الطبيب أن تتخلص من عيسى ويتزوجا ويهربا إلى المدينة الواسعة.

وكتب الطبيب خطاب طلب النقل ووضعه في جيبه وكان سيستقل الحافلة أحلاهم لولا أن كانت ممتلئة عن آخرها وفي نهاية اليوم كان في طريقه للطابق الأعلى فطرق الباب شيخ كبير له هيبة قال له أنه شيخ العرب وكان يريد إعطائه بعض المقويات لأنه في رحلة سفر طويلة.

وفي صباح اليوم التالي قابله عيسى وأخذه إلى مقهى بعيدًا عن الوحدة وطلب منه أن يقرضه مبلغًا من المال حتى يستطيع السفر للبحث عن الرزق وسافر مع الشيخ الكبير فجأة دون إبلاغ زوجته فرح التي حزنت لما فعله زوجها وذهبت للطبيب تشكو له فحزن الطبيب لأنه اكتشف أنها تحب زوجها أكثر منه فحزن الطبيب وأدار وجهه وانصرف عنها وأغلق الوحدة عدة أيام.

عاد للمدينة في غرفة الفندق التي كان بها مع فرح وتذكر ما فعله مع فرح وأبى أن يفعله مع أخرى رغم محاولات صاحبة الفندق من التقرب منه ومحاولاته من التقرب منها لكنها فشلت ولم يستطع الطبيب الابتعاد عن الوحدة ولا مرضاها أكثر من ذلك واستقل الحافلة أحلاهم وعاد ليمارس عمله ليجد سيل من المصائب في انتظاره.

تتميز الرواية في مجملها بالإيقاع السريع وسهولة الكلمات والألفاظ بالرغم من وجود بعض الألفاظ التي قد تشمئز من قراءتها أو حتى أن تلقى على مسامع القارئ ولكن لم يستخدم الكاتب بعض الكلمات الطبية التي لا تشعرك أنه طبيب من الأساس

عن كاتب رواية طبيب أرياف

ولد الدكتور محمد المنسي قنديل بمدينة المحلة الكبرى محافظة الغربية وتخرج في كلية الطب جامعة المنصورة عام 1975 وعمل بعد تخرجه في ريف محافظة المنيا لمدة عام ونصف وانشغل في تلك الفترة بإعادة كتابة التراث وكان الدافع الأساسي لذلك هي الهزيمة المريرة في 1967 والتي لم تغادر ذاكرته ثم انتقل للتأمين الصحي قبل اعتزاله مهنة الطب والتفرغ للكتابة.

فاز وهو مازال طالبًا في جامعة المنصورة عام 1970 في نادي القصة القصيرة عن قصته”أغنية المشرحة الخالية” التي صورت مشاعر طالب طب فقير ونشرت القصة في العديد من الدوريات قبل ضمها في كتابه”من قتل مريم” وجائزة أخرى عن قصته”سعفان مات” التي كان يروي من خلالها قضية عمال التراحيل وله العديد من الروايات مثل روايات قمر على سمرقند و رواية انكسار الروح وروايات أخرى.