عبدالله بن أم مكتوم، أعمى وأصاب الهدف

عبدالله بن أم مكتوم، أعمى وأصاب الهدف
عبدالله بن أم مكتوم، هو صحابي مميز جدًا من بين صحابة النبي _صلى الله عليه وسلم_، أعمى وأصاب الهدف.
فما هي قصة هذا الصحابي الجليل؟ وما الذي يمكن أن نستفيده منها؟
في البداية دعونا نتعرف على بطاقته الشخصية:

البطاقة الشخصية لعبدالله بن أم مكتوم رضي الله عنه:

اسمه: اختلف في اسم عبدالله بن أم مكتوم على النحو التالي:
 أهل المدينة يقولون عبد الله بن قيس بن زائدة بن الأصم بن رواحة القرشي العامري.
وأهل العراق يقولون عمرو بن قيس بن زائدة بن الأصم بن رواحة.، وهو قرشي.
اسم أمه: عاتكة بنت عبدالله بن عنكثة بن عامر بن مخزوم بن يقظة المخزومية.
إسلامه: كان رضي الله عنه، من السابقين الأولين إلى الإسلام.
قرابته بالرسول: هو ابن خال خديجة، _أم المؤمنين، وأولى زوجات نبينا عليه الصلاة والسلام_.، فإن أم خديجة، أخت قيس بن زائدة، وكان اسمها فاطمة.
متى أصاب العمى عبدالله بن أم مكتوم؟
يذكرُ حماد بن سلمة ذلك فيقول: حدثنا أبو ظلال، قال: كنت عند أنس، فقال (أي قال أنس لعبدالله بن أم مكتوم): متى ذهبت عينك؟ قلت: وأنا صغير.
وروي  أن جبريل أتى رسول الله _صلى الله عليه وسلم_  وعنده ابن أم مكتوم، فقال: متى ذهب بصرك؟ قال : وأنا غلام.
 فقال: قال الله تعالى: “إذا أخذت كريمة عبدي (أي عينه) لم أجد له جزاء إلا الجنة”. (وهذا حديث قدسي).

تخيل!

تخيل معي عزيزي القاريء، أن هناك مجموعة من الناس، في قرية من القرى، أقاموا مسابقة للنشان.
يصطف المتسابقون، فيأتي الأول: مفتول العضلات، قوي البنية، صحيح البدن.، فيمسك القوس، ويشد وتره، ثم يطلق سهمه، فلا يصيب الهدف.
ثم يتقدم آخر، لا يقل كمالًا جسمانيًا عن الأول، فيخطأ إصابة الهدف أيضًا. وكذلك الثالث والرابع… إلخ.
الناس يتعجبون مما يحدث: أصحاء مبصرون، ولا يستطيعون إصابة الهدف!
في وسط هذا الضجيج، يخترق الجَمْعَ، أعمى يتحسس خطاه بعصًا في يده، يسأل عن هذه الجلبة.، فيقولون له: هذه مسابقة للنشان، ولها جائزة كبيرة.
يطلب منهم أن يناولوه القوس، فتتعالى الضحكات، وتتناثر كلمات التهكم والسخرية حوله، كأنها قذائف نار، ولكنها تحرق القلوب لا الأجساد، فلا يؤثر ذلك في عزمه.، ويأخذ القوس… ويشد الوتر… ويطلق السهم فـ ……. فيصيب الهدف.
تتحول الضحكات لغصة في نفوس المستهزئين، وترتد إليهم كارما سخريتهم فتحيلهم كأمثال الذر لا قيمة له.
هذا حال الصحابي الجليل عبدالله بن أم مكتوم رضي الله عنه، صاحب نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، تربى في مدرسة النبوة، وأصاب من الأهداف، ما لم يستطع كثير من المبصرين أن يصيبوه.

الأهداف التي أصابها الكفيف عبدالله بن أم مكتوم وأخطأها كثير من المبصرين.

 الهدف الأول الإسلام:

لاشك أنك _عزيزي القاريء_، قد جالت بفكرك يومًا ما هذه الأمنية: يااااااااااااااه لو كنت عاش أيام سيدنا محمد والصحابة!
لكن دعني أخبرك _صديقي وصديقتي القارئة_ أنن لو كنا في هذا الزمن بكل ملابساته وظروفه، فحقيقةً لا ندري هل كنا فعلًا سنختار الإسلام، أم لا؟
ضع في مخيلتك، كمية الأذي والاضطهاد، الذي ستتعرض له، بمجرد أن يُعْرَف إسلامك.
ضع في حسبانك، أنك ربما تكون من عوام الناس، وليس لك عائلة تحميك.
بل ربما حتى لو كنت من عائلة كبيرة، فنادرًا ما ستتوفر لك الحماية.
الغرض مما سبق، أن أخبرك _صديقي القاريء_ أن قرار الدخول في الإسلام في هذ الوقت، كان تحدٍ كبير جدًا، وتترتب عليه مسؤليات، وتقديم تضحيات جسام، لا يستطيعها الكثيرون.
أسلم عبدالله بن أم مكتوم، ولم يستثنه مشركو مكة من العذاب والنكال، الذي كانوا يوقعونه على كل من أسلم.
إذا كان المشهور أن بلال _رضي الله عنه_ هو أشد الصحابة تعرضًا للإيذاء البدني، فإن عبدالله بن أم مكتوم، كان أشدهم تعرضًا للإيذاء المعنوي، _على أقل تقدير_.
بلال كان يرى ما سيُفعَل به، ويتوقعه، وتتحفز خلاياه لاستقبال الألم القادم.
أما عبدالله، فتُرى كيف كان حاله عندما تُربط قدمه، ولا يدري ما الخطوة التالية، ثم يربط طرف الحبل الآخر في حصان، ثم يضرب الحصان فينطلق بسرعة كبيرة، فينقلب عبدالله رأسًا على عقب في ثانية واحدة.
التخيل وحده، يصيبني بالفزع.، فكيف به هو رضي الله عنه؟
لذلك، كان تكريم الله له أن يخلَّد ذكره في البشرية، بأن يكون ممن اختصهم الله تعالى بالمدح والثناء في القرآن الكريم، إلي يوم القيامة.

الهدف الثاني: خيركم من تعلم القرآن وعلمه:

أعلم صديقي أنك بنسبة 99% تعرف هذا الحديث. لكن، أرجوك! أعد قراءته مرتين أو ثلاث.
أرجو أن تكون كلمة “خيركم” لفتت نظرك، واستشفت مدلولها بصيرتك.
بعد إسلام عبدالله بن أم مكتوم، يذهب للنبي _صلى الله عليه وسلم_ وهو واقف مع مجموعة من مشركي مكة يدعوهم للإسلام، فيأتي عبدالله بن أم مكتوم وهو يتحسس خطاه، ولا ندرى كم تعثر إلى أن وصل، وكم سقط حتى عثر على النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول: يا رسول الله إنك قلت “خيركم من تعلم القرآن وعلمه”، فعلمنى مما علمك الله.
أريد أن أكون من خير الناس، أريد أن أكون ممن يحملون القران أو بالأحرى ممن يحملهم القرآن إلى أعلى عليين.
تتغير ملامح النبي _صلى الله عليه وسلم_ وعبدالله لم ير ذلك، لكن الله رأى.
تغيرت ملامح النبي فعبس.، عبدالله مسلم بالفعل، ورسول الله يحاور أكابر المشركين علَّ أحدهم يسلم، فيضيف قوة للمسلمين، فيقلل مما يتعرضون له.
لكن ينزل العتاب _عتاب المحب_ من الله لنبيه _صلى الله عليه وسلم_ حيث نزلت ست عشرة آية بسورة عبس، تتلى إلى يوم يبعثون.

(عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى).

يزَّكَّى! كفيف ويجاهد نفسه، ويقومها، ويزكيها، ويصلحها، يالله  على عجز كثير من المبصرين عن كل هذا!.
وبعد تخليد الله لذكر عبد الله بن أم مكتوم في القرآن، يأتي تقدير النبي صلى الله عليه وسلم له.
فكلما يدخل عبدالله على النبي، يرحب به قائلًا:
“أهلا بمن عاتبني فيه ربي”
ويجلسه بجواره.

 الهدف الثالث: المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة:

بنسبة كبيرة، أعتقد أن هذا الحديث قد صادفك قبل ذلك. لكن، أود أيضًا أن تكرر قراءته عدة مرات.
بالطبع أعلم أن كلمة “أطول” قد لفتت نظرك.
للمرة الثانية، عبدالله يبحث عن الأفضل، يبحث عن ما يرفع به مقامه ومكانته عند الله.
الآن… دعني أخبرك، أن عبدالله بن أم مكتوم مؤذن الرسول، كما يؤذن بلال رضي الله عنهما.، يؤذن ليكون من أطول الناس أعناقًا يوم القيامة.

الهدف الرابع: ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله:

هذه الآية من الآيات المشهورة أيضًا، لكنها بالنسبة لعبدالله بن أم مكتوم، كانت كنزًا.
الآية تدلني على شيء يجعلني أفعل الأحسن والأجمل والأفضل، إذًا لابد أن أحقق هذا الهدف.
لتحقيق هذا الهدف الكبير، لا مانع أن أهاجر، وأترك أهلي وملاعب الصبا، فيترك مكة، ويذهب مع مصعب بن عمير _رضي الله عنه_، ليكونا أول اثنين يذهبان إلى يثرب، ويدعون أهلها للإسلام، فلم يبق بيت فيها إلا دخله الإسلام.
تخيل: كل من أسلم على يد مصعب من أهل المدينة (al madinah) الذين أصبحوا بعد ذلك الأنصار، وما أدراك ما فضل الأنصار، كل ذلك، ومن أتى من نسلهم، يكون لعبدالله، مثل أجورهم إلى يوم القيامة.
قال البراء بن عازب _رضي الله عنه_ وهو من أهل المدينة: “أول من قدم علينا  مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم، فجعلا يُقرِئان الناس القرآن”.
كما كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ يستخلفه على المدينة إذا خرج في غزوة من الغزوات، فيؤم عبد الله بن أم مكتوم، المسلمين في الصلاة، ويخطب لهم.

الهدف الخامس: ولم لا تموت شهيدًا يا عبدالله بن ام مكتوم؟:

الرسول صلى الله عليه وسلم جالس مع صحابته، فتغشاه سكينة الوحي، وبعد أن يسرى عنه يقول:
يا زيد، اكتب.
فيقول زيد: وما أكنب يا رسول الله؟
قال اكتب: “لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم…”.
فكتب زيد.
يغتبط الجميع.، فالآية تقول: أن الله فضل المجاهدين، على الذين فضلوا الأمان والراحة.
لكن عبدالله بن أم مكتوم كفيف، وقاعد، لا يجاهد، والآية لم تفرق بين ضرير وغيره، فيدفعه الشيء الذي وقر في قلبه، الشيء الذي يجعله دائمًا يبحث عن الأفضل ليقول: “يا رسول الله: أريد أن أكون من الذين فضلهم الله، لكني ضرير”!
وما هي إلا لحظات، حتى ينزل جبريل عليه السلام، ثم يقولُ النبي _صلى الله عليه وسلم_ لزيد اكتب:
“لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا”
الآن عبدالله بن أم مكتوم بصدق نيته في الجهاد، يأخذ الأجر تمامًا مثل المجاهدين.
لكن هل تعتقدون أن شخصية مثل عبدالله بن أم مكتوم، ترضى أن تتخلى عن شيء يحقق لها الأفضلية، حتى ولو حازت ثوابه؟

مشهد الختام:

في يوم من أيام الإسلام المشهودة، يواجه المسلمون الفرس في معركة القادسية.
المسلمون بقيادة صحابي جليل هو سعد بن أبي وقاص، خال النبي _صلى الله عليه وسلم_، والفرس بقيادة رستم.
الفرس يستخدمون سلاحًا جديدا وهو الفيلة، والعرب لم تعهد هذا السلاح من قبل، فسبب ذلك إرباكًا شديدًا في صفوف المسلمين.
يطلب عبدالله بن ام مكتوم أن يحمل لواء المسلمين، لأنه كفيف لا يرى فلن يهاب الفيلة، ولن يفر فيبقى لواء المسلمين مرفوعًا.
يلبس عدة الحرب، ويمتطي فرسه، ويحمل الراية ويقول: “اجعلوني بين الصفين” أي بين الجيشين.
تظل الراية مرفوعة، ويظل عبدالله بن أم مكتوم صامدًا، حتى يمن الله عليه بالشهادة ويمن على المسلمين بالنصر.
ليختم حياته بأفضل عمل في الإسلام، وهو الجهاد الذي تتبعه شهادة، ويترك لنا حياة ملخصها: “العجز الحقيقي هو عجز الإرادة، لا عجز الأبدان”.
رضي الله عن عبد الله بن أم مكتوم، وتقبله في الصالحين.
نسأل الله أن يرزقنا عزيمة صلبة كعزيمته، وأن يبلغ عبدالله بن أم مكتوم منا السلام، وأن ينعم علينا برؤيته في الجنة.
بعد قراءتك لقصة عبدالله بن أم مكتوم،ما هو العنوان الأمثل لهذه القصة من وجهة نظرك؟