علم الآثار.. المرآة السحرية للماضي

علم الآثار.. المرآة السحرية للماضي

علم الآثار مثل المرآة السحرية، المرآة التي تتيح لنا الرؤية في الظلام ومعرفة الماضي الغامض. استطاع السحرة المبتدئين الكشف عن تلك الحالة من الغموض، فالسحر هو عمل خطير لابد من التعامل معه بحذر، والتدريب والتعليم هو أمر ضروري له، وقد نندم على اليوم الذي بدأنا فيه ممارسته كهواية. فالمرايا السحرية ليست نوع واحد، فهي تستخدم في مجالات وأغراض مختلفة. لذلك دعونا نبدأ التدريب على استخدام مرآة الماضي من خلال تحديد نوعية الأشياء التي سيتم التعامل معها في البداية ومن ثم فما هي المرآة الأثرية وما هي قواعد استخدامها.

 

علم الآثار.. المرآة السحرية للماضي

 

كان الماضي يشغل الناس لآلاف السنين، حتى المواقع التي يرجع تاريخها للخمسة أو العشرة أو العشرين ألف سنة الاخيرة، ففي بعض الأحيان نجد أدلة على أن الناس في مرحلة ما قبل التاريخ كان يحتفظون بالأشياء الثمينة والجيدة التي صنعها أجدادهم منذ آلاف السنين. فكانوا يقومون بطلاء رسومات الكهوف مرات ومرات على مدار آلاف السنين مع الاحتفاظ بالسمات العامة الأولى.

ونحن نعلم أن ملوك وفلاسفة ومؤرخين ورواة القصص في اليونان القديمة وبابل كانوا مهتمين بمعرفة المزيد والمزيد عن أخبار الماضي. وكان بعضهم لديه أفكار رائعة حول الماضي؛ فالكاتب اليوناني هسيود Hesiod كتب يقول في القرن الثامن قبل الميلاد أن العالم تطور من خلال العصر البدائي والعصر البرونزي والعصر الحديدي. وكانت العصور التي افترضها أو ذكرها مماثلة بشكل كبير للعصور الحجرية البرونزية والحديدية لعلم الآثار المعاصر. وفي بعض الأحيان كان القدماء يقومون بالحفر والتنقيب في الأرض للكشف عن الماضي، فنابونيدوس ملك بابل أمر بحفر جزء من أور Ur لمعرفة أخبار وأسرار السومريين الذين سبقوا البابليين.

عاد الاهتمام بالقطع الاثرية القديمة النادرة أو التي اختفت على مر القرون مره أخرى في أوروبا خلال عصر النهضة تقريباً في الفترة من 1400م إلى 1600م، عندما بدأ الهواة المتحمسين الأغنياء في التنقيب عن الآثار الرومانية على أمل العثور على أمثلة رائعة من النحت التقليدي أو الكلاسيكي. ومع ذلك كان الدافع الرئيسي لهذه الحفريات هو استرداد الأشياء لذاتها وجمالها وارتباطها بالماضي، وقد أدى هذا الولع بالأشياء القديمة والجميلة إلى تطور علم الآثار الإنساني.

كان عدد قليل من الناس يرغبون في محاولة استخدام هذه الأشياء والحفريات لفهم الناس والمجتمعات في الماضي. معظم العلماء يعتقدون أنه من الممكن معرفة أي شيء عن الشعوب الذين لم يسجلوا تاريخهم من خلال ذلك. نشر وليام كامدن William Camden في عام 1586 في مرجعه التاريخي “بريطانيا العظمى” أنه يأس من معرفة سبب بناء موقع ستهونج Stonehenge  (كلارك 215:1953).

هناك من يرى انه لا فائدة كبيرة من معرفة تفاصيل الماضي، ولذلك فإن عدد قليل من وجهات النظر المكتسبة من قبل الأشخاص المهتمين لم يتم حفظها أو تحويلها إلى هيئة موحدة من المعرفة. اتجه معظم الأشخاص الذين يهتمون بالماضي إلى العمل مع أنفسهم، وإعادة صياغة المفاهيم والأفكار الأساسية مراراً وتكراراً. وذلك لأن كمية المعرفة الأثرية تقتضي بأن الشخص يستطيع الكشف عن المحدودية والنتائج العامة التي تبقي إلى حد الكبير على مستوى التكهنات المستنيرة، وبالتالي فإنه لا يوجد صورة متماسكة أو مفهومة عن الماضي. فمعظم الداعيين للماضي كانوا مهتمين بالأشياء القديمة لذاتها، وكان هذا ولازال بسبب الاعجاب بالأشياء لأنها مصنوعة بشكل جميل وأصبحت قديمة.