في حضرة ذكرى وفاة الشيخ البخيل

في حضرة ذكرى وفاة الشيخ البخيل

في حضرة ذكرى وفاة الشيخ البخيل

تمر اليوم الذكرى الرابعة والثلاثون على وفاة رائد المسرح الذهني توفيق الحكيم، أو كما عرف عنه البخيل.

وهو واحد من أبرز رواد الأدب في مصر والوطن العربي، فهو أديب وكاتب مسرحي له ما يقرب من خمسين مسرحية

كما أنه مؤسس فن الدراما، وعرف أيضا باسم شيخ الكتاب والأدباء العرب.

توفيق الحكيم..

هو أحد أبناء محافظة الاسكندرية، ولد عام ١٩٠٣ لأب مصري ينتمي لطبقة الفلاحين وأم تركية الأصل.

دخل والده إلى الطبقة الحاكمة من المتتركين ما جعله ينسى ماضيه، دون عاداته وتقاليده المصرية.

لكن ابنه لم يخضع لذلك بل ظل في صراع داخلي حيال ذلك الأمر، مما كان له أثر نفسي عليه.

ورغم ما بذلته أمه من جهد حتى يعيش حياة التمدن التركي إلا أن ذلك كان عسير عليه.

فقد مال الحكيم لما رآه سيعود بالطاقة الايجابية على مزاجه ونفسيته.. كالموسيقى والفنون الجميلة.

وقد كان للموسيقى على وجه التحديد أثرًا بالغًا في تكوين الشخصية الواقعية لشيخ الكتاب العرب.

وذلك بفضل التخت الموسيقي الذي ارتبط ارتباطًا وثيقًا بعائلة والديه.

وفي النهاية عاش مع والده متنقلا من بلدة لأخرى، فقد استقرا لفترة بمدينة دسوق ثم دمنهور.

لتكون هذه هي فترة الدراسة الثانوية، والذي كان فيها طالبا وكاتبا في نفس الوقت، حيث ظهرت توجهاته المسرحية.

وقد تميز الحكيم عن سائر كتاب عصره بالأسلوب المسرحي المختلف الشيق، ومن ثم أضاف للمكتبات العربية مسرحيات جديدة.

مثل مسرحية الضيف الثقيل وأمام شباك التذاكر وبجماليون التي تعد المسرحية الذهنية الثالثة بعد مسرحية أهل الكهف وشهرزاد.

بعد ذلك استقر مع والده بالاسكندرية حتى سافر إلى أوروبا ليكمل دراسة الماجستير والدكتوراه هناك.

ومن ثم فقد تكونت شخصية البخيل وشغل وظائف عدة خلال فترات حياته

والتي بدأت منذ عام ١٩٢٨ حيث عمل بالنيابة المختلطة في الاسكندرية.

ليتركها بعد عام واحد فقط ليعمل بالقضاء الأهلي، ثم مديرا لادارة التحقيقات في وزارة المعارف.

حتى وصل إلى الصحافة وعمل في الأخبار، ومن ثم أصبح مديرا عاما لدار الكتب.

إلى أن تم تعيينه كعضو في المجلس الأعلى للفنون والآداب، ثم مندوبا للجمهورية العربية المتحدة.

ومن بعدها تم انتخابه كرئيس اتحاد كتاب مصر، ليظل بهذا العمل إلى أن وافته المنية، في ٢٦ من شهر يوليو ١٩٨٧.

أعماله..

لم يكن توفيق الحكيم مجرد كاتب عادي، فقد كتب في كل الفنون الأدبية من مسرح ورواية ومقال وسيرة.

من أعماله المسرحية..

الملك أوديب_ مصير صرصار_ الطعام لكل فم_ الدنيا رواية هزلية_ يا طالع الشجرة_ مجلس العدل، وغيرهم الكثير.

أعماله الروائية والقصصية..

يوميات نائب في الأرياف_ الرباط المقدس_ أشعب_ القصر المسحور، وتلك الأخيرة كانت بينه وبين طه حسين.

أعماله المقالية..

حماري قال لي_ عودة الوعي_ التعادلية في الاسلام_ بين الفكر والفن.

قالوا عنه.. وعن بخله

صاحب نوبل..

لم تكن المقابلة الأولى بين هذين العبقريين محض صدفة، بل نتيجة إشادة شيخ الكتاب بكتابات صاحب نوبل.

عندما كان ثروت أباظة رئيسا للكتاب، أخبر محفوظ أن الحكيم يشيد بكتاباته، ويريد مقابلته.

ومن ثم حدد له موعد في قهوة وسط البلد التي كان يجلس بها توفيق الحكيم، ليلتقي الاثنان للمرة الأولى.

لم يكن الحديث بينهم به أي تكلّف، فمنذ اللحظة الأولى طلب الحكيم من محفوظ أن يدفع كلُّ لنفسه.

من المعروف أن توفيق الحكيم حصل على لقب البخيل.. لكن نجيب محفوظ كسر هذه القاعدة تماما.

وكتب عنه في مذكراته أن هناك أوصاف غير صحيحة منسوبة إلى الحكيم، كالبخل، فكيف لشخص بخيل أن يزوج ثلاثة بنات في نفس العام؟!

رغم أن اثنتين منهن من بنات زوجته، وأيضا كيف لشخص بخيل أن يهب ابنته كل مدخراته أثناء زواجها؟!

وفي عيد ميلاده الثامن والثمانين قال نجيب محفوظ في ٱحدى حواراته عن توفيق الحكيم أن:

عيد ميلاد توفيق الحكيم هو عيد ميلاد أو عيد فرح للثقافة والفن، وعيد سرور بين جميع أبنائه وتلامذته من جميع الأجيال.

كما أنه أيضا عيد المسرح والرواية والقصة القصيرة والمقال الأدبي والفكري والسيرة الذاتية.

عميد الأدب العربي..

ذات يوم ذهب أنيس منصور لتوفيق الحكيم بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون فقال له “روح اشرب قهوتك عند يوسف السباعي فوق، أنا معنديش قهوة هنا”.

حكى أنيس منصور ذلك الموقف المضحك لطه حسين، فقال له:

إنه ليس بخيلا، ولكن يحب أن يقال عنه وأن يضحك الناس ويهرب توفيق الحكيم، الحقيقة أنه فقير وليس بخيلا.

إحسان عبد القدوس..

كانت المقابلة الأولى بين الحكيم وعبد القدوس حزينة إلى حد ما، فقد جاءت نتيجة الجدل حول رواية الأخير “أنف وثلاثة عيون”.

ظن إحسان عبد القدوس أن الحكيم تخلى عنه وعن أزمته، لكن وجدوا رسالة له يشكر توفيق الحكيم كالتالي:

الأستاذ توفيق الحكيم.. أستاذي

أكتب إليك لأعتذر، ولو أنى لا أدرى ما أعتذر عنه، كل ما هنالك أني شعرت بأني أثقلت عليك وعلى زملائى أعضاء لجنة القصة عندما جئت إليكم أحمل همى، وأحاول أن ألقى بمتاعبى إليكم.

والواقع أنى لم أحضر اجتماع اللجنة نتيجة تفكير، ولا نتيجة خطة للعمل، ولكنى حضرت بدافع أزمة نفسية أعانيها، وشعور جارف بالوحدة.. كنت أشعر أنى وحيد.. وحيد إلى حد الخوف.

لماذا كتبت إليك؟!

لأنك أستاذي.. ولأني فتّحت عينى بين صفحات كتبك وُلدت من تفاعل كلماتك، واعذرني لقد كنت أريد أن أكتب هذا الكلام ولم أجد أحدا قريبا منى لأكتب له.. إلا أنت.

مواقف أخرى..

شاهد الكثير إحسان عبد القدوس وهو يتردد على مكتب توفيق الحكيم كلما رآه لزيارته وتحيته.

وفي إحدى المرات سأل الحكيم إحسان مازحًا، هو أنت كل يوم بتلبس بدلة جديدة، ليرد الأخير ضاحكًا ما رأيك إذا جمعنا لك تبرعات لتشتري بدلة جديدة.

هل ندم مصطفى محمود على ترك “الحرافيش”؟

أديب البسطاء..

كان أنيس منصور من أقرب الأدباء والتلامذة لدى توفيق الحكيم، وكانت بينهم رسائل وأحاديث طويلة.

فقد تأثر أنيس منصور كثيرًا بأستاذه، وكتب عنه في غالبية أعماله.

حول بخله..

دائما ما كان أنيس منصور يمازح الحكيم ببخله، فسأله الحكيم ذات يوم: هل تغذيت أو تعشيت عند العقاد؟

فرد أنيس منصور بالنفي، سأله الحكيم وطه حسين، ليجيب مرة أخرى بالنفي، ليرد الحكيم مازحًا

الله أمال محدش قال عنهم إنهم بخلاء ليه؟

من أقواله..

يخيل إلي أن في مصر خبيرًا عبقريًا مهمته الدقيقة هي أن يضع كل شيءٍ في غير محلّه.

قالت العصا : إن لمصر ثلاثة أعداء .. قلت : أعرف الجهل والفقر والمرض .. قالت : لا بل الدجل والتهريج والنفاق.

إني أتألمُ ألماً لا يراهُ أحد ؛ إذ لا يظهرُ على وجهي غير الهُدوء والرضا.

المصلحة الشخصية هي دائماً الصخرة التي تتحطم عليها أقوى المبادئ.