كازينو الشجرة.. ملتقى العشاق بلا عشاق

كازينو الشجرة.. ملتقى العشاق بلا عشاق

كهل يتكئ على زوجته العجوز ينظران للطريق وفي عينيهم الدموع، هناك في وسط الظلام يحنون لمكانهم الأول، مكان قديم ذو بهجة دافئة وحنين رقيق، يشدهم إليه، يضم أرواحهم ويعيد إليهم الزمان، صوت روحي شامخ عذب يحدثهم، يرنون إليه فيستعيدا معه الذكريات، رائحة التاريخ ونسمات الماضي تأتي مسرعة، نغمات ولت وفنت يسترجعاها، موسيقى وشجرة شامخة وحبيب أصيل، كانت لهما معا حياة، قرراها وهم يجلسان معا في كازينو الشجرة.

كازينو الشجرة

ذلك المكان القديم الهادئ قبل إزالته، مؤرخ كل قصص الحب والصداقة والألفة، وحافظ الذكريات واللحظات الحنونة في عقول الأوفياء، بعد إزالته، وهذا المكان الضخم الذي اندثر، كان يوما ملتقى العشاق، ومقصد كل فرد من علية القوم ومحدودي الدخل، في كل أنحاء مصر.

على كورنيش النيل بالمنصورة، وعلى بعد خطوات من قصر الثقافة، كان هنا كازينو الشجرة قابع بهذا المكان العذب المتفرد، تحفحف أوراق أشجاره الوارفة، وتظلل مرتاديه بالسكينة والهدوء، يغري الأسر للتجمع به، ويؤرخ قصص العشاق.

لم يعد هنا

لكن وا أسفاه، لم يعد هنا كازينو الشجرة، ولم يعد هنا عشاق، قصص الحب الحقيقية انتهت، في لحظة واحدة تغيرت الحياة والأخلاق، وفي دقائق بعيدة قضت علينا الفضائل المزورة.

قال البعض أن المكان أصبح سيئ السمعة بسبب سلوك مرتاديه لذلك تم هدمه، وقال أخرون أننا في بلد الدين والفضيلة، وليس جيد أن يوجد كازينو في بلد الفضيلة، لكن هناك الرأي الأخير الحقيقي، رأي يصرخ بحسرة في أعماق نفسه وهو يردد “انتهى زمن العشاق”!!

لمحة من التاريخ

دعنا الآن من القيل والقال، وتعال نتذكر تاريخ ذلك المكان الفني التاريخي المتهدم، عام 1969، كان كازينو الشجرة هو من أرقى الأماكن التي ممكن أن تجتمع بها الأسر والأحباب والأصدقاء سواء بمكانه في المنصورة، أو في أي من فروعه بمحافظات مصر.

كان المكان بالفعل فني شاعري من الدرجة الأولى، تتردد في أصدائه أصوات عذبه وأخرى جبلية، صوت الست يردد “وهمسىي قاللي الحق عليه.. نسيت ساعتها بعدنا ليه” تليها شادية ونجاة وعبد الحليم.

أغنيات عديدة ارتبطت بالمكان، برنامج راديو الأربعاء يعلو صوته، والناس تشاهد “من الشاشة إلى الميكروفون” و”سبع أيام في الجنة”، يرى الناس فيه كيف يبيع أمين هنيدي الفل، لتفوح رائحتهم في الأرجاء من الشجيرات التي تظللهم، تزين اللوحة الحقيقية التي يجلسون بها.

يحركها الجرسون القمحي ذو الملامح المصرية الأصيلة يمشي بهدوء، حاملا أكواب الليمون المثلج، والبرتقال الناضج، يضع الشاليموه المصنوع من ورق الزبد بالكوب ويقدمه لك، مع ابتسامة تخرج من أسنان بيضاء ناصعة، تضفي راحة أكثر على المكان.

نهاية حزينة

لكن للأسف قصص الحب لا تدوم للأبد، سواء شخوص أو حتى أماكن، فقد تم هدم كازينو الشجرة بما فيه من قصص وذكريات، ليبنى مكانه مطاعم وعمارات وكافيهات حديثة، وينتهي زمن العشاق.