كيف يُعانق سُكان حطيب حراز السحاب ؟

كيف يُعانق سُكان حطيب حراز السحاب ؟

هل سمعت يومًا عن قرية حطيب حراز، في الأغلب لم تسمع، تلك القرية الواقعة في اليمن فوق سلسلة من الجبال في منطقة حراز ولكن أهم ما يميز هذه القرية عندما تطل من شرفة بيتك تشاهد منظر طبيعي جذاب ولكن لن يكون هذا المنظر بحر أو بحيرة أو نهر أو حتى الأمطار تسقط فوق حديقة ، بل سترى أمامك السحاب يسير ببطء، لانها تقع فوق السحاب فعندما تشاهدها  قد تعتقد أنها من وحى الخيال أو مرسومة أو ضمن مشهد في فيلم خيالي ولكن كيف تصبح واقع متواجد بالفعل؟؟

أصول القرية

فلبلاد اليمن من الجبال الكثير وبأسماء لا حصر لها، تبدو شائكة وممتدة وجميلة وساحرة ومخيفة، فبها من القمم التي تعد الأبرز في العالم، ولكن لا يكاد يعرفها سوى أهلها. ورغم علو جبل «حَراز»، يبقى جبل النبي شعيب عليه السلام هو أشهر جبال اليمن وأعلاها، ليس في اليمن فحسب، بل وفي جزيرة العرب كلها، حيث يعد الجبل ثالث أعلى قمة جبلية في الشرق الأوسط، ورغم أننا لم نجد الخرائط الحديثة لهذا الجبل لنتخذها مصدراً، لكن بعض التقارير ذكرت ذلك، وأخيرًا، فإن الثلوج البيضاء تغلف رأسه كل عام، وبعد صقيع الشتاء والرياح السريعة التي تهاجم علياءه، حتى تبدو الغيوم الثقيلة أسفل قمته.

فعدد سكان  القرية يبلغ  حوالى440 نسمة تقريباً فهي  كونت عام 1050 تقريبًا، جائوا من الأساس من مصر فهم يتبعوا طائفة البهرة وهي طائفة تنتمي لشيعة الإسماعيلية، وهكذا عاشوا في مصر في فترة الدولة الفاطمية، ومع دخول صلاح الدين الأيوبي وانتهاء العصر الفاطمي قرروا الرحيل، وقد نزح أغلبهم للشرق الأدنى حتى وصلوا إلى جنوب الهند وهناك تبلورت اعتقادات الطائفة إلا أنهم رحلوا للمرة الثانية لليمن ، حيث وجدو أنفسهم أبعد ما يكون عن أهل المدن لذا فقد نزحوا للجبال ليتجمعوا سويًا ويكونوا بقرية واحدة  كل سكانها من البهرة ليكونو  بقرية حطيب.

حطيب حراز مشهد بفيلم خيالي

فن البناء

فقد بنيت  القرية عام 439 إلى عام 459 هجرية من الحجر الرملي الأحمر المطل على التلال، لتجمع ما بين الطابع المعماري القديم والحديث وما بين الريف والحضر، فهي تتميز بأنها منطقة جبلية تتكون من عدة قرى وقد تم بناء القرية بحيث تحيطها أسوار عالية وكأنها قلعة محصنة بمنازلها وجدرانها القوية اللاصقة بصخور جبال حراز، فنجدها مندمجة مع المناظر الطبيعية بين الصخور والحقول الواسعة النابتة.

كما تم بناء القرية  على أعلى قمة جبلية في العالم، فهى تقريباً القرية الوحيدة في العالم التي لا تمطر عليها السماء أبدا، وذلك لأنها بنيت على سفح جبل مرتفع لدرجة أن السحب تجري وتمطر من تحتها، فنجدها تقع فوق السحاب، لذا فأهل القرية لا يستطيعون أن يروا ما يحدث فوق الأرض فمدى رؤيتهم هو السحاب والشمس ، وعلى الرغم من أنها تقع على ارتفاع يصل إلى 3200 متر فوق سطح الأرض، فإنها تتميز بجو دافئ ومعتدل، فتتميز بجو بارد جداً في الصباح الباكر في فصل الشتاء، ولكن سرعان ما يصبح جوها دافئاً وجميلاً وممتعاً بعد شروق الشمس.

عجائب القرية

فأغرب ما يحدث في حطيب هو وقوع القرية في أعلى قمة الجبال، والواقع أن ارتفاع الجبال قد تجاوز السحاب لذا فأهل القرية لا يستطيعون أن يروا ما يحدث فوق الأرض فمدى رؤيتهم هو السحاب كما أن القرية تعاني من قلة المطر فأغلب المطر يمطر من أسفل القرية للأرض فلا تنال القرية إلا الشمس.

كما يوجد بالقرية فندقين معروفين ولكن القرية لا ترحب بالأغراب من خارج طائفة البهرة للإقامة هناك، فالفنادق لا تقبل الإقامة بها إلا لمن كان ينتمي لطائفة البهرة فقط، وكذلك مسجد القرية لا يمكنك أن تذهب إلي  هناك إلا إذا كنت من البهرة وهم كذلك لا يعترفون بالصلاة في مساجد أي طائفة أخرى، لذا فإن لم تكن من البهرة فلا يمكنك أكثر من زيارة القرية لعدة ساعات كسياحة دون المبيت على أرضها .ليس ذالك فقط بل يعد اللون  الأسود هناك غير مستحب لأنه يرمز للحداد.

حطيب حراز مشهد بفيلم خيالي

عادات القرية

يتميز أهالى قرية الحطيب بإرتداء النساء زي من قطعتين مع خمار ملون، ولا يحبذون مطلقًا الملابس السوداء فهم يعتقدون أن ارتداء الملابس السوداء يجلب الحداد والحزن، بينما نجد الرجال يرتدون دائما الطواقي البيضاء، ولا يقوم البهرة بتغطية وجه النساء إلا المتزوجات منهن بينما الفتيات لا يسمح لهم بإرتداء غطاء الوجه.

كما يعد التعاليم الدينية الدقيقة للطائفة لا يرحب البهرة بعرضها أو إذاعتها، بل إن الشاب من البهرة لا يتعرف على تفاصيل طائفته إلا بعد أن يبلغ سن 25 سنة ليتيقنوا  من حقيقة  اقتناعهم ويتأكدوا من حقيقة إيمانهم بتلك التعاليم.

فالبهرة في اللغة الهندية تعني التاجر، وقد سُمي أهل القرية بهذا الاسم لانشغالهم بالتجارة، فقد اعتاد أهل حطيب على زراعة نبات القات، سواء للاستخدام الشخصي أو للتجارة، ولكن برهان بدء في أقناع الأهالي بالتوقف عن زراعة القات وزراعة البن بدلا عنه حيث يتم إنتاج أجود أنواع البن حيث تُزرع أشجار البُن في وديان القرية، وتسقى من أنهارها، ورغم أن عدد السكان ليس كبيراً فإنهم يصدّرون أجود أنواع البن اليمني.

أهمية القرية

فقرية الحطيب تحظا علي أهمية كبيرة فقد  تم أضافتها عام 2002 إلى قائمة «اليونسكو» للتراث العالمي، في الفئة المختلطة بين الثقافية والطبيعية كموقع له قيمة عالمية استثنائية، فكل ما حولها من مناظر ثقافية نادرة من جبل حرز والقاضي والقناص و مناخة وغيرها، إلى آخر القرى والجبال المطلة على المنحدرات المتدرجة مع تاريخه القديم، فهذه القرية  البديعة ليست قرية عادية، رغم شهرتها الوحيدة على الألسن بأنها لم تنعم يومًا بماء المطر فكل السحب تتشكل أسفلها، ولكنها تحمل قيمة استثنائية عالمية ممتلئة بالكثير.