محمد حجازي يكتب.. خداع الحواس وفلسفه الدوافع والتساؤلات

محمد حجازي يكتب.. خداع الحواس وفلسفه الدوافع والتساؤلات

كيف يمكن أن نوازن بين خداع الحواس وفلسفه الدوافع والتساؤلات؟ يجب علينا أولا وقبل كل شيء القاء الضوء حول دافع ديكارت إلى طريقة الشك الشديد أو ما يعرف بالشك الديكارتي أو كما يطلق عليه ديكارت نفسه “الشك المبالغ فيه”. ولكن هل هذا الدافع مُرضي أو كافي؟ فبماذا يفكر ديكارت بالضبط؟ ربما هذا:

“الحواس تخدعنا أحيانًا، ولذلك تسود بيننا معرفة بأنها تخدعنا دائمًا”

ولكن هذا يعتبر جدال سيء ومغالطة، وخاصة إذا ما عقدنا هذه المقارنة:

“الصحف أحيانًا تخطيء، ولذلك تسود بيننا معرفة بأنها تخطيء دائمًا”

إذا ما نظرنا إلى الجزء الأول من هذه الفرضية نلاحظ أنه صحيح، ولكن الجزء الثاني أو الاستنتاج بعيد عن الواقع. وهناك أيضًا أمثلة توضح أن الجزء الأول من تلك الفرضية يمكن أن يكون صحيح، ولكن الجزء الثاني أو الاستنتاج لا يمكن أن يكون صحيحًا أبدًا:

“بعض الأوراق النقدية مزورة، ولذا على حد علمنا أن كل الأوراق النقدية مزورة”

وهنا الاستنتاج أو الجزء الثاني من الفرضية مستحيل، لأن فكرة التزوير ذاتها تقوم على أوراق نقدية أو عملات معدنية صالحة. فعمليات التزوير هي عمليات دخيلة وبمثابة تطفل على الحقيقة، حيث يحتاج المزورون أو المزيفون إلى أوراق وعملات معدنية أصلية للطباعة عليها.

 

تعتبر هذه الفرضية صحيحة عندما لا يكون هناك أي بديل أخر بمعني انه لا يوجد هناك احتمالات، أي أنه لا يوجد احتمال أن يكون الجزء الأول من الفرضية صحيح بدون صحة الجزء الثاني أو الاستنتاج. ستكون نتائج هذه الفرضية سليمة إذا كانت صالحة وتمتلك مقدمات صحيحة. ولكن تلك الفرضية التي تم تحديدها غير صحيحة بشكل واضح، فهي ليست أفضل من الأمثلة الأخرى التي تسير بنا من الحقيقة إلى الزيف. ومع ذلك لم يكن ديكارت ليقدم لنا اقتراح مؤسف عديم الجدوى، فلابد أنه كان يفكر بشيء أخر، ولكنه للأسف لم يوضحه. وهذا ما يسمي بالبحث عن المقدمة الضمنية، وهو شيء مهم لدعم الفرضية وربما كان يدور في رأس مؤلفه ولكنه لم يذكره. ومن ثم يمكننا أن نعيد تفسير ديكارت بهدف التوصل إلى نتيجة أضعف أو كلاهما معا. فالفرضية يمكن أن تكون:

تخدعنا الحواس أحيانًا، ولا يمكننا تحديد المواقف التي يتم فيها الخداع من عدمه، ولذلك علينا أن ندرك أن أي تجربة خاصة يمكن أن تخدعنا.

ويبدو أن هذا هو الاختيار الافضل لوضع هذه الفرضية في مسارها الصحيح. فإذا جربنا ذلك مع الأوراق النقدية والتزوير، سنجد أن الاستنتاج يبدو متتابعًا. ولكن هذا الاستنتاج هو نتيجة لتجربة معينة أو بعض التجارب. ومن ثم فهو ليس استنتاج عام لكل تجاربنا. وهذا هو الفرق بين الفكرتين التاليتين “على حد علمنا أن بعض الأوراق النقدية قد تكون مزورة” و “على حد علمنا أن كل الأوراق النقدية مزورة”، فالعبارة الأولى يمكن ان تكون صحيحة ولكن الثانية غير صحيحة.

وربما كان ديكارت يرغب في هذه المرحلة من التأملات عرض الاستنتاجات الضعيفة. ولكن علينا أيضًا امعان النظر في الاقتراح الثاني لهذه الفرضية المكررة.