من محاسن الأذكار والعبادة في الإسلام ( حلقة1)

من محاسن الأذكار والعبادة في الإسلام ( حلقة1)

بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – جاء الدين بالمحاسن لتجميل الحياة كلها ، فبالإسلام تحلو الحياة وتجمل ، وبالبعد عنه ، تجزع النفوس ، وتهزل ، ما أنزل من في القرآن حكم إلا وفيه غاية الحسن ، وما سن النبي من شيء إلا وفيه غاية الحسن في الهَدى .

فما أحرانا نحن أهل الإسلام أن نتناول ديننا تناولا جديدا ، من حيث النظر في محاسنه وتأملها وبثها في العالمين ، فالدين أمانة في أعناق أهل هذا الجيل، وعلى حملة الأمانة أن يبلغوها ، لعل الله يهدي بها أعينا عميا ،وآذانا صما ، فإنه سبحانه على كل شيء قدير .

سنتناول في هذه الحلقات عزيزي القاريء ، بعضا من محاسن كلمات نتلوها من باب الذكر ، وأفعالا نمارسها من باب التعبد لله رب العالمين .

سنبدأها من لحظة استيقاظ المسلم من نومه ، ليتبين للجميع أن المسلم إنسان فريد في هذا الكون ، قد بلغ من السمو ما الله به عليم .

أولا – أذكار التعار من النوم
يأتي الله بالإنسان إلى الحياة بعدما كان عدما، فتبدأ حياته في بطن أمه جنينا، ثم يخرج طفلا، ثم رجلا ثم شيخا ثم يموت ومن الناس من يموت قبل ذلك، يفهم من هذا أن حياة الإنسان تبدأ بعد عدم، ويوم المسلم يبدأ بعد حالة كان وعي الإنسان فيه أشبه بالعدم، ألا وهو النوم.
لذا إن أردت أن أعرض لمحاسن الأذكار فالبداهة تحتم على أن أبدأ من لحظة استيقاظ المسلم، ولما كان نومه تتخلله أوقات يأرق فيها، أو يقلق أو يزعج في نومه، فيستيقظ غير أنه لم ينل القدر الكافي من النوم والراحة التي يتزود بها لمواجهة ما يعتريه في يومه من عمل ومجهود يبذل في سبيل تحقيق أغراضه، نرى الإسلام لم يغفل هذا الظرف، فشرع للإنسان ما يقوله فيه، وجعل ذلك سببا لمغفرة الذنوب، التي هي سبب كل متاعب الإنسان، فمن تعار من الليل فقال: ((لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ للَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، رَبِّ اغْفرْ لِي))
غفر الله له، وهذه المغفرة ناسبت حاله، فذهاب الذنب يذهب أثره، وأثر الذنب قد يكون عقاب أو منغصات تنغص على الإنسان عيشه ونومه.
وسن له من الذكر ما يناسب المقام، فقبل هذا الذكر، كان الإنسان في حالة لا يدري فيها بما حوله، فالنوم أخو الموت، وها هو يستيقظ فيشهد لله بالوحدانية، والملك، ويحمده والحمد ثناء بالجميل على الفعل الجميل، وأي جمال أن يبعث إلى الحياة بعدما كان أشبه بالأموات، وينزه الله عن كل عيب ونقص ويقر له بكل كمال، وأنه أكبر من كل ما سواه، ولا تحول من حال إلا حال إلا به، فمن ذا الذي حول حال العبد من شبه الموت إلى حال الإدراك والإنتباه والفهم والنطق والتعبد بذكر الله، واللجوء إليه وحده، الذي منحه القوة فأيقظه وأنطقه، فيقر لله بالعلو والعظمة، التي هي ضد حال العبد الفقير الذي هو أحق بالتجرد من كل حول وقوة، فيقر لله بأهليته سبحانه للألوهية وبأهلية نفسه بعبوديته لله، فإذا أظهر العبد هذا الحال واستغفر الله، فحري بالله القريب المجيب الرحيم الغفور أن يرحمه.
وفي الحديث أن: ((من قال ذلك غُفِرَ له، فإن دعا استجيب له، فإن قام فتوضأ ثم صلى قبلت صلاته))، فالله عز وجل أعطاه في هذه الحال، فرصا عدة:
أولها: أنه غفر ذنبه، الذي قد يكون منها ما أصابه الأرق عقوبة، أو غفر ذنوبا أخرى.
ثانيها: أنه إذا دعا استجيب له، وقد يدعو بدعوات فيها من الخير ما يغير حاله إلى أحسن حال، فيكون الأرق الذي أصابه فأضج نومه سبب خير له، ورحمة الله له. وفتح أبواب جديدة من أبواب الخير.
وثالثها: أنه إذا صلى قبلت صلاته، والصلاة هي خير موضوع في الدين، إذ يقف فيها العبد الذليل بين يدي الملك الجليل، وأي شرف ناله العبد الذي أصابه القلق من الوقوف بين يدي السميع العليم الذي بيده وحده بذل الخير للعبد.

 

ثانيا – أَذْكارُ الاسْتِيْقاظِ مِنَ النَّوْمِ


فإذا كان الإنسان قد تعار من الليل ثم قام فذكر الله وصلى ثم عاود النوم، ثم قام من نومه لصلاة الفجر، أو لقيام بعض الليل قبل صلاته فيشرع له أن يذكر الله عند انتباهه من النوم يقول: ((الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)) (1).
فهو يحمد ربه الذي أحياه بعدما أماته، النوم هو الموتة الصغرى لمشابهته له، فالذي له الحمد على هذا الفعل هو الذي له الحق في نشور الخلق إليه يوم القيامة.
وانظر إلى مناسبة الحمد هنا عند بداية يقظته، وقيامه للحياة، مع ما ابتدأ الله به كتابه المنزل لعباده بكلمة الحمد (الحمد لله رب العالمين) فابتدأ الله كتابه بحمد نفسه، إذ كل ما يكون من الله في حق العبد يستحق الحمد عليه، فهو خلقه وجعل له الجنة يرثها إن هو أطاعه، ودبر حياته وأعطاه من أنواع النعم ما تصلح بها حياته مما يقوم به بدنه وينشط به عقله، وتستروح به نفسه في هذه الحياة من أنواع المباهج العديدة، وإرساله الرسل إليه ليبلغوه رسالة الله إليه التي هي كتب الله ووحيه، مع بيان ما في الكتب من مراد الله من العبد وعظيم وعده له بعظيم الأجر إن هو أطاع الله، فاستحق أن تبدأ رسالة الله للعباد بحمد الله نفسه، فنبتدأ كتاب الله ب (الحمد لله) ومبتدأ يوم المسلم بإعترافه باستحقاق الله لهذا الحمد بقوله ذاكرا ربه ب (الحمد لله)
وهو اعتراف من العبد بعودته إلى الله، فمن أيقظه من هذا النوم الذي لم يشعر فيه الإنسان بنفسه، ولا بما كان منه في نومه، هو القادر على بعثه بعد موته ونشره إليه، ليقف بين يديه يحاسبه على ما استحق الحمد لأجله من عظيم وجميل فعله للعبد، هل قام العبد بما كلف به من عبادة ربه سبحانه وتعالى أم لا؟

ثم يشرع المسلم في ذكر جديد يقول فيه: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي، وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي، وَأَذِنَ لي بِذِكْرِهِ)) (2).
فهو يحمد لله ثانية على فعل مخصوص يرى أثره ملموسا في نفسه، وهو معافاته في جسده وحفظ الله له من أتمسه هامة أو دابة أو طارق من طوارق الليل يؤذيه في جسده، وفي هذا اظهار لإحتياج العبد لربه وقوام حياته وصلاحه بربه سبحانه وتعالى، إذ لم يرجع ذلك لحارس يحرسه ولا لرفيق يجاوره ممن يحتمي به العبد في حراسة النفس ورد البلايا، إذ لو قدر للعبد أذى لبلغه مهما أحاطت به حراسه، ورد الروح فيه، وأذن له بذكره بأنه يسره له وأجراه على قلبه ولسانه، وهذا مما يريح العبد أن يرى أنه مقبول عند ربه، إذا لو لم يقلبه لما يسر له ذكره ورزقه الإخلاص فيه.
وشرع له أن يتلو آيات من كتابه تعالى وهي قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ* رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ* رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ* رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ*فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ * لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ * وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ*يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ})) (3).
وفي هذه الآيات من المعاني والهدايات التي تلامس قلب المسلم الشيء الكثير، وهي خير ما يفتتح به المسلم يومه، والتي تعد زادا عاجلا يتزود به لمواجهة ما يلقي في يومه من الأحداث، فمن هداياتها:
– حث المسلم على التفكر في خلق السماوات والأرض، وتذكير المسلم أن الله ما خلقهما باطلا، بل خلقهما ليبتلي الإنس والجن بعبادته، ليرى من يعبد الله ممن يعرض عن عبادته.
– وفيها بيان أن من رحمة الله أن شرع الله لعباده أن يتلو كلامه في كل حال من قيام أو قعود أو اضطجاع، على خلاف ما عند أهل الكتاب من تخصيص أماكن بعينها للتعبد بتلاوة كلام الله.
– وفيها شرع التعوذ من النار، إذ هي أعظم ما يحذره العبد في سعيه طوال يومه حتى يأوي إلى فراشة مرة أخرى.
– مشروعية التوسل إلى الله تعالى بالإيمان وصالح الأعمال.
– وإشعار المسلم بالمساواة بين المؤمنين والمؤمنات في العمل والجزاء فلا اختلاف في الأجر لإختلاف الجنس كما هو حال أرباب الأعمال الدنيوية حين يعطون أجور العمال فيفرق في القدر لاختلاف الجنس.
– وفيها بيان أن المسلم ليس الوحيد في الكون الذي يعب الله، ولكن قبله خلق سبقوه إلى طاعة الله ورسوله، وطاعة الأنبياء من قبله.
– وفيها تنبيه للمؤمن وتحذيره من الاغترار بما يكون عليه الكافرون من سعة الرزق وهناءة العيش فإن ذلك لم يكن عن رضى الله تعالى عنهم، وإنما هو متاع في الدنيا حصل لهم بحسب سنة الله تعالى في الكسب والعمل ينتج لصاحبه بحسب كده وحسن تصرفه.
– وفيها بيان أن عمل الإنسان لا يذهب سدى لأن الله أعد لأهل الإيمان والتقوى وهم الأبرار من نعيم مقيم في جوار ربهم خير من الدنيا وما فيها.
– وفيها بيان شرف مؤمني أهل الكتاب وبشارة القرآن لهم بالجنة وعلى رأسهم عبد الله بن سلام وأصحمة النجاشي.
– وفيها بيان وجوب الصبر والمصابرة والتقوى والمرابطة للحصول على الفلاح الذي هو الفوز المرغوب والسلامة من المرهوب في الدنيا والآخرة.
فكل هذه هدايات تلامس قلب المسلم وهو يتلوها ومفتتحا بها يومه، فأي حسن بعد حسن هذا الإفتاح، وهل يوجد ما يقاربه أو يدانيه في الحسن في شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، أو دين أرضي غير دين الإسلام؟

_________
[1]_ البخاري مع الفتح، 11/ 113، برقم 6314، ومسلم، 4/ 2083، برقم 2711.
[2]_ الترمذي، 5/ 473، برقم 3401، وانظر: صحيح الترمذي، 3/ 144.
[3]_[آل عمران: 190: 200]