“جمال عبد الناصر” .. قائد عاش لوطنه فاستحق الخلود

“جمال عبد الناصر” .. قائد عاش لوطنه فاستحق الخلود

بقلم / أمانى محمد فهمى

رغم مرور نصف قرن على رحيل الزعيم جمال عبد الناصر، لازال حضوره الطاغى يحير الكثيرين ، ولا يتوقف الجدل أبدا” حول شخصه ومسيرته منذ أن كان طالبا” فى المرحله الثانويه عندما خرج ليتظاهر ضد الإحتلال البريطانى ، وحتى وصوله لقمة السلطه مرورا” بالمعارك التى خاضها طوال فترة حكمه ، الأمر الذى جعل البعض يقول مندهشا” أن عبد الناصر مازال يحكم من قبره .

فإلى هذا الحد وصل حجم التأثير الذى أحدثه هذا الرجل حيا” وميتا”؟؟ !!!!!!!!ولم لا فهو قائد الثوره التى كانت بمثابة زلزالا” سياسيا” أصاب المنطقه بأكملها وليس مصر فقط ، ولا نبالغ إذا قلنا أن آثاره طالت العالم بأسره فحرب السويس على سبيل المثال كان أحد أهم نتائجها سقوط الإمبراطوريه البريطانيه التى لا تغيب عنها الشمس !!!!! ، وتحولت على إثرها دوله كبرى إلى دوله تقليديه بعد تنامى النزعات الإستقلاليه فى كل مستعمراتها وعلى رأسها مصر والهند التى كانت تعرف بدرة التاج البريطانى ، فقد كانت خطبه واحده لعبد الناصر كفيله بإسقاط حكومات بأكملها كما حدث مع العراق ، اليمن والجزائر، فلم تكن القوميه العربيه بالنسبه لناصر مجرد شعارات وخطب رنانه لكنه حاول جاهدا” تحويلها إلى واقع فعلى إلا أن المؤامره كانت أقوى .

ورغم ذلك لم تفلح الهزيمه فى كسر كبرياء هذا الرجل الذى استطاع أن يهزم الهزيمه ذاتها ويحولها بمساندة الشعب المصرى إلى خساره للمعركه وليس للحرب ، وفى أقل من 6 سنوات حقق الجيش المصرى أعظم إنتصار عسكرى فى التاريخ الحديث بعد ان تم إعادة بناءه على أحدث الأسس العلميه والعسكريه فى ذلك الوقت ومن أكثر ما يثير الإعجاب بشخصية هذا الزعيم أنه كان يعيش حياه عاديه مثل كل المصريين فكانت ملابسه من مصانع المحله الكبرى ، وفضل الإقامه فى منزل بمنطقة منشية البكرى رافضا” العيش والتنقل بين القصور الرئاسيه .

كما رفض أيضا” بناء “حمام سباحه” بمنزله عندما علم أنه سيتكلف 1000 جنيه فاعتبر أن هذه التكلفه باهظه جدا” بأسعار هذا العصر فتراجع فورا” عن الفكره رغم الإلحاح الشديد من أبنائه ، فقد كان يعتبر أن حياة البذخ والرفاهيه التى كان يعيشها أقرانه من الملوك والرؤساء تتعارض مع مبادئه وأفكاره عن العداله الإجتماعيه التى سعى إلى تطبيقها ونجح إلى حد كبير فى توسيع قاعدة الطبقه الوسطى التى تعد رمانة الميزان لأى مجتمع والوجود الفعال لهذه الطبقه هو الدليل القاطع على النجاح فى تحقيق العداله الإجتماعيه فى صورتها الصحيحه .

ومما يدعو للفخر أن أعداء هذا الرجل قبل محبيه ومريديه كانوا وما زالوا يكنون له كل الإحترام والتقدير ، رغم كراهيتهم الشديده له بسبب سياساته التى هددت مصالحهم فى المنطقه العربيه ، فلطالما كانوا يعتبرونها أهم مناطق النفوذ فى العالم ، حتى أنهم عندما علموا بخبر وفاته صدرت كثير من التصريحات على لسان زعماء غربيين بأنهم لن يسمحوا بظهور ناصر جديد فى مصر مره أخرى ، ومما يؤخذ على بعض منتقديه أنهم يقيّمون فترة حكمه طبقا” لمقاييس العصر الحالى وهو الخطأ الفادح الذى تقع فيه دائما” النخبه المثقفه بحسن نيه أحيانا” وبسوء نيه متعمد فى كثير من الأحيان ، فلا يعقل أبدا” أن نحكم على مرحلة الستينات بمقاييس الألفيه الثالثه !!!! .

فقد كان جمال عبد الناصر إبن عصره بامتياز وكان ثائرا” على كل ما هو قديم وماتم تطبيقه من سياسات خلال فترة حكمه كان جديدا” وغير مسبوق بمنطق هذا العصر، فالتأميم مثلا” كان سياسه إقتصاديه جديده سادت فى ذلك الوقت وكانت مطبقه فى كثير من دول العالم ، وإذا كانت لم تعد صالحه لهذا الزمن فهذا لا يعنى أنها لم تكن صحيحه وقت أن تم تطبيقها ، ولا يصح أبدا” أن تظل النخبه “المثقفه” تستخدمها كذريعه للتهجم على عبد الناصر وعصره كلما سنحت لها الفرصه .

أما علاقته بجماعة الإخوان الإرهابيه فقد أثبتت الأيام صحة ما فعله ناصر مع هذه الجماعه الخائنه التى لا هم لها سوى الوصول إلى السلطه بأى ثمن ، ودخلت فى عداء مع كل الأنظمه بلا استثناء لإحداث حاله من الفوضى الدائمه وعدم الإستقرار ، فأدرك عبد الناصر حينها أن الحل الوحيد للتعامل معها هو الإستئصال لتخليص الوطن من شر جماعه مسلحه مارقه تجهر بالعداء لكل مؤسسات الدوله وتعلن بلا خجل أن هدفها هو هدم الدوله الوطنيه لتقيم على أنقاضها الخلافه الإسلاميه المزعومه .

ولعل من أهم المعارك التى خاضها ناصر معركة التنميه المستقله والتى حاول أعداء مصر وضع كافة العراقيل أمامها حتى لا تتحقق فهم لا يريدون لهذا البلد أن يتحرر أبدا” من لعنة الوسطيه لكى لا تسقط أبدا” ولا تنهض أبدا” ، لكنه حاول أن يفك هذا القيد ونجح فعلا” إلى حد كبير فقد وصلت معدلات النمو الإقتصادى فى الفتره من 1960 – 1965 إلى 7% سنويا” ، وتم بناء ما يقرب من 1800 مصنع نجحت الدوله من خلالها فى القضاء التام على مشكلة البطاله ، ويأتى مشروع السد العالى على قمة هرم هذه المعارك فقد كان بحق كما وصفه الزعيم الخالد “صرحا” عملاقا” خاضت مصر من أجله معارك كبرى ليس لقيمته الذاتيه فحسب ولكن لكونه أيضا” رمزا” لصمود وكبرياء هذا الوطن فى وجه كل المؤامرات التى حيكت لإسقاطه” ،واختير السد العالى كأهم مشروع هندسى فى العالم خلال القرن العشرين .

وهكذا استطاع جمال عبد الناصر أن يحفر إسمه بأحرف من نور فى صفحات التاريخ فكان بحق أهم شخصيه مصريه وعربيه فى القرن العشرين ، وأحدثت وفاته المفاجئه فى الثامن والعشرين من سبتمبر عام 1970 صدمه مدويه فى العالم أجمع .

وخرج الملايين ليودعوه فى جنازه شعبيه مهيبه لم يشهد لها التاريخ مثيلا” حتى الآن ولم ينجح أعداءه بعد مرور كل هذه السنوات فى النيل منه رغم كل محاولات التشويه التى تعرضت لها التجربه فهى فى نهاية الأمر تجربه بشريه لها ما لها وعليها ما عليها وكما قال ناصر أن كل إنسان فى هذه الحياه له دور يؤديه ويمضى ، وقد أدى الزعيم هذا الدور بكل ما أوتى من قوه فأصاب وأخطأ ، ونجح وأخفق ، لكن يكفيه شرفا” محاولاته الدائمه للنهوض بمصر على كافة الأصعده بمنتهى الصدق والإخلاص وهو ما جعله باقيا” فى قلوب من أحبوه حتى الآن ليحظى بلقب “حبيب الملايين” عن جداره واستحقاق.