د. محمد البرسلى الحاصل الدكتوراة فى علوم الجينات فى حوار خاص مع المحايد

د. محمد البرسلى الحاصل الدكتوراة فى علوم الجينات فى حوار خاص مع المحايد

بينما  يسعى البعض لهدم الدولة المصرية وتشويه صورتها أمام المجتمع الدولي، يعمل شباب طموح في صمت للنجاح وحصد العديد من الجوائز العلمية ليمثل مصر في أبهى صورة لها أمام المجتمع العلمي، ومن بينهم الدكتور محمد البرلسي، 28عاماً، الذي اختارته مجلة “فوربس” العالمية ضمن قائمة 30 شخصاً تحت سن الثلاثين من المؤثرين في مجال العلوم والصحة في أوروبا، والحاصل على جائزة “ماكس برنستيل” في أول انطلاقة لها، لدعم وتكريم الباحثين الشباب لمجهوداتهم في مجال البحث العلمي، عن دكتوراه تناولت التشوهات الجينية وآلية اكتشافها وعلاجها بالتجربة على الحيوانات. تواصلت “المحايد” مع البرلسي، ليتحدث عن مشروعه البحثي، وأهميته، ورسالته لشباب مصر والعالم، ورؤيته للبحث العلمي في مصر، وغيرها من التساؤلات يجب عليها، وإلى نص الحوار.

كيف تقدمت لهذه الجائزة؟

في الحقيقة أنني أدرس الدكتوراه في معهد “ماكس بلانك” الدولي لأبحاث القلب والرئة بألمانيا، وعندما تم الإعلان جائزة “ماكس برنستيل” التي تهدف لدعم الشباب الباحثين في مرحلة الدكتوراه على أبحاثهم العليمة المتميزة في مجال البحث العلمي، رشحني المعهد للمشاركة بها، وكانت المنافسة بين 100 مرشح من مختلف جامعات العالم، فاز بها 3 فقط وأنا من بينهم.

حدثنا عما يتناوله موضوع البحث والنتائج التي توصلت إليها؟

في مايو 2016 قررت عمل الدكتوراه عن موضوع “التعويض الجيني”، في محاولة لفهم الآلية أو الطريقة التي يمكن للخلايا مواجهة التشوهات الجينية بشكل يمنع حدوث أي خلل في نموها ووظائفها الحيوية، وبالدراسة على حيوانات التجارب لاحظت أن هناك تشوهات جينية كثيرة يمكن للخلية موجهتها، عبر إنتاج جين آخر يؤدي وظيفة الجين المصاب بالتشوه، وبالبحث توصلنا إلى الآلية التي يمكن للخلية معرفة ما إذا كان هناك تشوه أم لا، لتعويضه بجين آخر.

كيف يحدث التشوه الجيني؟ وتأثره؟ وطرق علاجه؟

يحدث تشوه لسبب وراثي أو للتعرض لأشعة الشمس لفترة طويلة أو لتناول مواد كيميائية أو لأشياء أخرى تغير من الجين وتسلسله، وتنتج عن هذا التشوه الإصابة ببعض الأمراض، مثل متلازمة البحر المتوسط أو التليف الكيسي، وحلها الوحيد هو تصحيح هذا التشوه الجيني بدلاً من استخدام بعض الأدوية لعلاج آثارها، وهذا الأمر لا يزال قيد الدراسة والتجربة، لكن الأمل في تكنولوجيا جديدة تُدعى “كريسبر” لعلاج التشوهات الجينية وإدخال جين آخر للخلية، ومن المقرر أن تحصل على جائزة نوبل السنوات المقبلة.

ماذا سيقدم بحثك للبشرية؟

سيُسهم البحث في مساعدة الأشخاص المصابين بالتشوهات الجينية، عبر تطبيق آلية التعويض على البشر، لتحفيز الخلايا على إنتاج جين آخر يؤدي مهام المصاب، كما سيساعد الباحثين على تطوير العقاقير عبر تقديم آلية تمكنهم من عمل تشويه للجين دون حدوث تعويض من الخلية تمنعهم من رصد تأثير الجين على الوظائف الحيوية للخلية ونموها، فعندما يرغب الباحثون في دراسة جين معين والتعرف على وظائفه، يقومون بإحداث تشوهات به، لرصد تأثيره، لكن بسبب آلية التعويض لا يستطيعون التوصل إلى ذلك.

ما الصعوبات التي واجهتك خلال العمل على البحث؟ وكيف تغلب عليها؟

واجهت العديد من الصعوبات فعلى المستوى البحثي فقد مررت بمراحل فشل تمثلت في عدم الوصول في بعض التجارب إلى نتائج أو الحصول على نتائج غير متوقعة تهدم فكرة البحث من الأساس، هذا إلى جانب ضغوطات المجتمع العلمي في سرعة إنهاء الدكتوراه وتحقيق النتائج في أسرع وقت، لذلك كنت أحاول التخلص من هذه الضغوط عبر الاستمتاع بحياتي خارج المعمل، من ممارسة رياضتي المفضلة وهي الكراتية وغيرها من الهوايات التي ساعدتني على الخروج من أي حالة سلبية.

إلى ما وصلت الدراسات السابقة في هذا المجال “التشوهات الجينية”؟

تدور الدراسات السابقة حول فكرة أن هناك تشوهات جينية تصيب الأفراد والحيوانات، لكن لا يوجد أعراض مرضية، ومن هنا كانت الانطلاقة التي استند عليها البحث، وكذلك استند عليها بحث آخر لفريق بحثي من الصينيين، توصلوا إلى نفس النتائج التي توصلنا إليها، مع تفوق بحثنا في بعض النقاط كدراستنا لجميع الجينات بما أضفى على البحث العمق، لكن تَوصُل الفرق الآخر لنفس النتائج التي توصلنا إليها يُؤكد صحتها ويصُب في مصلحة بحثنا.

هل حصلت على تمويل لبحثك من قبل جهة ما؟

كانت هناك شراكة مع جامعة أمريكية تُدعى “يل”، كما حصلت على تمويل من شركة دواء ألمانية، إلى جانب حصول المشرف على البحث على تمويل من الاتحاد الأوروبي ومن مؤسسة ماكس برنك العلمية ومن الحكومة الألمانية.

علمنا أنك قد حصلت على جوائز أخرى غير “ماكس برنستيل”، فما هي؟

حصدت العديد من الجوائز في مؤتمرات كثيرة، أثناء عرض البحث على مجموعة من العلماء، لكن من أكثر الجوائز الأقرب إلى قلبي، التي حصلت عليها في اجتماع للعلماء الحاصلين على جائزة نوبل في الطب بألمانيا العام الماضي، عن أفضل تقديم لبحث علمي.

إلى من تتوجه بالشكر والتقدير؟

أتوجه الشكر والتقدير إلى عائلتي لدعمها لي مادياً ومعنوياً، فقد سعوا منذ الصغير غرس قيمة البحث العلمي وحب التعلم، كما استثمروا الكثير من الأموال للسفر لألمانيا خلال الدراسة بالجامعة للتدريب واكتساب خبرة بحثية، وهو ما ساعدني في الحصول على ماجستير بسهولة، كما أتقدم بالشكر إلى أستاذي الدكتور إيهاب عبد العزيز الذي حببني في مجال البحث العلمي وساعدني على تنمية العقلية البحثية، ولا يزال عطاؤه مستمراً، من خلال توجهاته ونصائحه في بعض قراراتي البحثية والغير بحثية.

ما الذي يفتقر إليه البحث العلمي في مصر حتى يكون في مصاف الدول المتقدمة؟

يفتقر البحث العلمي في مصر إلى المواد والدعم المادي والمعنوي، فهناك بعض التجارب في مصر لم يكن بمقدورنا القيام بها بسبب ارتفاع تكلفتها على الباحث وعدم توافر تمويل الكافي لها، إلى جانب تعطل الباحث عن استكمال المشروع نتيجة حجز الجمارك المعدات أو المواد الكيمائية المستخدمة في البحث، على عكس وضع البحث العلمي في ألمانيا، من حيث تسهيل الأدوات البحثية اللوجستية، وتوفير الموارد المادية لتنفيذ البحث والدعم المعنوي من خلال شعوره بقيمته المجتمعية، لذلك أطالب بزيادة الاستثمار في البحث العلمي بمصر ودعمهم معنوياً وتسليط الأضواء على أبحاثهم، لما يتمتعون به من عقول قوية بإمكانها إبهار العالم، كما أتمنى تنمية العقلية البحثية للطفل في مراحل التعليم الأساسي، وغرس حب البحث العلمي والتعليم.

حدثنا عن رؤية زملائك وجيرانك بألمانيا عن مصر والمصريين؟

نظرتهم لمصر كبيرة على أنها بلد الحضارة والأهرامات والسياحة، وبلد لها ثقل، لكن أكثر تساؤلاتهم عن حال البحث العلمي في مصر، وهو ما حاولت تصديره بصورة حسنة.

ماذا كنت تتوقع من الإعلام المصري بعد حصولك على الجائزة؟

لم أكنت أتوقع هذا الاهتمام الضخم من قبل الإعلام المصري ومواقع التواصل الاجتماعي من دعوات وتمنيات بالنجاح، مما أعطاني دعم وحافز وبارقة أمل على اهتمام الشعب المصر بالعلم والتعليم، وبداية نحو دعم العلماء وإعطاؤهم مكانتهم التي يستحقونها.

إذا أصبحت سفيراً عن الشباب المصري، فما الرسائل التي تود نقلها للعالم؟

إذا أصبحت سفيراً عن الشباب المصري، أود التركيز على قدرة الشاب المصري على العمل والاجتهاد والإبداع حتى في أسوء الظروف المحيطة به وعدم اليأس والاستسلام والانطلاق بقوة حال توفر الإمكانيات، وفي الحقيقة أن هذه الصورة انتقلت أثناء دراسي بالخارج لزملائي وأساتذتي، فقد أشاد مشرفي على البحث بجدية وحرص المصريين على الاجتهاد والعمل، وحبه للعمل معهم، لذلك حرص على تدريب الطلاب المصريين في التدريبات الصيفية، والإشراف على دكتوراه بعض الطلاب.

وما رسالتك لشباب مصر؟

رسالتي لشباب مصر هي الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي لأنه مفتاح التقدم والنهوض بمصر، كما أطالبهم بالاجتهاد وعدم الاستسلام لأي ضغوطات حياتية أو مادية، والتذكر دائماً أننا قادرون على تحقيق ما نتمناه، لكننا بحاجة إلى أن نؤمن بأنفسنا وبأحلامنا والإصرار على تحقيقها، وبالمثل على المصريين الدارسين بالخارج الحفاظ على هويتنا، والإصرار على النجاح مهما كانت الظروف.

ما مفهومك للنجاح والفشل؟

مفهومي للنجاح أن تكون راضياً عما تفعله، وأن تترك بصمة قوية تضيف لمجالك، ولا يشترط في النجاح أن يصفق لك الجميع. أما الفشل فهو الاستسلام عن تحقيق حلمك وتعليقه على “شماعة” الظروف، لكن ما دمت تسعى وتحاول للوصول إليه فلا اعتبره فشلاً.

ما هي طموحاتك وخططك المستقبلية؟

أخطط للحصول على وظيفة أقود من خلالها المجموعة البحثية الخاصة بي لفهم هذه الآلية أكثر والعمل على تطبيقها على البشر، لتخفيف آلام بعض المرضى، كما أطمح في المشاركة في النهوض بالبحث العلمي في مصر لتكون في مصاف الدول المتقدمة، عبر نقل خبراتي عن التعليم البحثي بالألماني، وهي نتاج نشاطاتي الطلابية، التي أتاحته لي فرصة إنشاء اتصالات مع مدير معهد “ماكس بلانك” أحد أكبر وأقوى المعاهد البحثية في ألمانيا وأوروبا، واتصالات مع بعض نواب البرلمان الألماني كممثل لطلاب الدراسات العليا ومناقش لمشاكلهم والصعوبات التي يواجهونها.

حوار: محمد ممدوح