نجيب محفوظ.. بين الذكريات والمذكرات

نجيب محفوظ.. بين الذكريات والمذكرات

ذكر نجيب محفوظ من قبل أنه لم يكتب مذكرات أو سيرة ذاتية واكتفى بما كتبه غيره من الأدباء عنه، وبالفعل كتبت عنه كتب كثيرة جدا.

ولم أكن أتوقع أبدا أن أنجذب كليا نحو أي كتاب ليس له نفسه بهذا الشكل.

لكن ذلك ما حدث فعلا تجاه اثنين من كتب السيرة الذاتية عن أستاذنا النجيب.

بين جمال الغيطاني ورجاء النقاش..

وما اعتقده حقا هو أن ذلك الانجذاب سببه أن الكتب لها علاقة بالأستاذ، وتتحدث عنه، أو يتحدث منها.

ولأن هناك كتب تتميز عن غيرها ببراعتها وعظمتها، وطريقة سردها واشتمالها على كافة التفاصيل.

ويعد كل من كتابي نجيب محفوظ يتذكر وصفحات من مذكرات نجيب محفوظ من أولئك الكتب.

فالكتابين يختلفان كل الاختلاف عن أي كتب أخرى كتبت عن أستاذنا الجليل.

زد على ذلك أن من كتبهم اثنين من أهم أصدقاءه وتلامذته، حيث أن:

نجيب محفوظ يتذكر..

من كتبه هو الأديب العظيم جمال الغيطاني، وهو واحد من أهم أصدقاء أستاذنا العظيم نفسه.

والذي كثيرا ما تحدث عنه في كل ما كتبه الآخرون ، فالكتاب يعد سيرة ذاتية ممتازة لنجيب محفوظ بقلم جمال الغيطاني.

سرد فيه الغيطاني عن لسان أستاذنا  مجمل تاريخه الشخصي، من مولد ونشأة وحياة في الشباب والكهولة.

قاصا حكاياته مع الحارة والفتوة والطفولة والشباب والكتابة والمقاهي والحرافيش (كرواية وأصدقاء).

ومن جهة أخرى الكتاب يتتبع حياة محفوظ موضحا كيف انعكست هذه الحياة على أدبه وشخصياته الروائية.

مستشهدا بكلمات دلالية عن لسان محفوظ نفسه، تخيل إليك أنه بنفسه هو من يقص عليك تفاصيل حياته.

أما السرد فممتع وسلس بشكل رائع، يجذبك إلى عالم محفوظ وأعماله، مؤكدا وصف صاحبه “حين يكتب محفوظ يدير رأسه عن العالم ولا يعبأ بشيء”.

وما يزيده جمالا فعلا أن الأسئلة قد حذفت، وظل حوار التذكر بين الصديقين كأنه سرد شجن منظم.

لكن ما ينقصه أنه لا يحتوي على الحياة المحفوظية كاملة، بل ينتهي عند تاريخ محاولة اغتياله.

أما صفحات من مذكرات نجيب محفوظ..

فقد كتبه الكاتب الصحفي البارع رجاء النقاش، بمهارة فائقة، أخفت صعوبة ما واجهه من خوف.

بعد 50 ساعة حديث على مدار أكثر من عام، ليخرج لنا كتاب عظيم يروي شتى جوانب حياة أستاذنا.

والكتاب أدبي من الدرجة الأولى قص فيه رجاء النقاش حياة نجيب محفوظ على لسان محفوظ نفسه.

من خلال حوار أجراه معه على مدار ١٨ شهر، قدمها كما سمعها منه، مع تلخيص أسئلته في مقدمة كل فصل من فصول الكتاب.

والتي تضمنت ٢٤ فصل، وذلك بأسلوب بسيط وممتع، ورغم كونه لرجاء النقاش إلا أن اسم نجيب محفوظ عليه يجعله أكثر إمتاعا.

خاصة في العرض والسياق، فهو عبارة عن مذكرات لنجيب محفوظ تماما كما جاء اسمه.

توضح لقطات من حياته ونشأته وعلاقته بالكتاب والأدباء الآخرين، الذين عاصروه من العرب والغرب.

كما تطرق لسرد أجواء كتابة رواياته، وحكايات العديد منها، وتفسير معاني البعض منها كأولاد حارتنا.

التي جاء ذكرها أكثر من مرة وخصص فصل خاص بها، فسر فيه ما قصده منها وما أخذ عليه.

وروايته ثرثرة فوق النيل، وعلاقتها بحكم عبد الناصر، وحكاية اسم الحرافيش الذي أطلقه أحمد مظهر.

كما تحدث عن بعض المذاهب السياسية، وما أخذه على أنظمة الحكم في مصر خاصة في عهد عبد الناصر.

ومقته لديكتاتوريته ومهاجمته لها دائما وللأنظمة الديكتاتورية بوجه عام، ليختتمه بسرد محاولة اغتيال نجيب محفوظ.