اليقين في الله سلاحك الأقوى

اليقين في الله سلاحك الأقوى

اليقين في الله تعالى، هو السلاح الخفي الذي يمتلكه المسلم، ويواجه به أشد المواقف، وأعتى المصاعب، فتصير كلها بردًا وسلامًا عليه، بعد أن كانت نارًا تلظى.

فما حقيقة اليقين؟ وكيف نملأ قلوبنا به؟ وما الذي سيغيره في حياتنا؟
هذا المقال يجيبك عن كل هذا وأكثر، بل إنه سينقل روحك في رحلة للملأ الأعلى.

ما حقيقة اليقين في الله؟

من المصطلحات التي يكثر تداولها بين الناس: اليقين بالله.
ولكن هل معلوماتنا عن هذا المعنى الكبير، صحيحة، أم مزيفة كما زُيِّفت كثير من المصطلحات الإسلامية؟

تعريف اليقين في اللغة:

ورد في المعاجم اللغوية أن اليقين هو: “العِلْم، وإزاحة الشك، وتحقيقُ الأَمر، واليقين ضده الظن والشك”.
من خلال التعريف السابق نستنتج أن اليقين من الناحية اللغوية اللغة يعني: المعرفة التامة بالشيء، معرفة لا يخالطها شك.

حديث القرآن عن اليقين:

تكرر مصطلح اليقين بمشتقاته أكثر من عشرين مرة في كتاب الله. وكل موضع يفتح لنا أفقًا جديدًا من آفاق هذا المعنى الخلاب.
إليكم بعضها:
“الموقنين”:تكررت خمس مرات في القرآن الكريم، كقوله عز وجل “وفي الأرض ءايات للموقنين”.
“يُوقِنُونَ”: وهي الصيغة الأكثر مجيئًا في القرآن، ومنها قول اللَهِ تبارك وتعالى “في خلقكم وما يبث من دابة ءايات لقوم يوقنون”.
اليقين: ويدل على عدة معان مثل الموت كقوله عز وجل” وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين” أي الموت.

كلام العارفين بالله عن اليقين:

قال عبد الله بن مسعود _رضي الله عنه_ عن منزلة اليقين: “الصبرُ نصفُ الإيمانِ، واليقينُ الإيمانِ كله”.

ويقول الحسن البصري _رحمه الله_: ” ما طُلِبَت الجنةُ إلا باليقينِ، ولا هُرِبَ من النارِ إلا باليقينِ، ولا صُبِرَ على الحقِّ إلا باليقينِ)

قال السعدي رحمه الله: “اليقين: هو العلمُ التامُّ الذي ليس فيه أدنى شكٍّ، الموجب للعمل”.
وهنا ينبغي الالتفات إلى أن اليقين ليس هو عمل القلب فقط، ولكن يجب أن يكون مضافًا إليه السعي على أرض الواقع.
ونختم بقول بن القيم _رحمه الله_: “اليقينُ من الإيمانِ بمنزلةِ الروحِ من الجسدِ”.
فماذا نحتاج أكثر من ذلك، حتى نشمر عن سواعد الجد والاجتهاد، في تنقية قلوبنا من الريبة والشكوك والظنون، ونملأها باليقين في من أمره بين الكاف والنون.

خطوات الوصول لمرحلة اليقين:

أعمالنا إما أعمال للقلوب، وإما أعمال بقية الجوارح والأعضاء. وأعمال القلوب أشرف من أعمال الجوارح. ولكن أعمال القلوب أكثر ثقلًا على النفس، حيث أنها تحتاج لمجاهدة كبيرة حتى نصل إليها.

ويمكن أن ألخص لك طريق المجاهدة هذا في خطوات أربع لكي تصل لمرحلة اليقين:

أولًا: المعرفة بوعد الله في شيء معين.

ثانيًا: تطبيق الشروط التي حددها الله لكي تحصل على الوعد.

ثالثًا: ملاحظة النتائج التي تحصل بعد تطبيقك للشروط.

رابعًا: تكرير ذلك مرات ومرات حتى يمتلأ قلبك باليقين.

فعلى سبيل المثال:
يقول ربنا جل وعلا: “لا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرًا”.
هذا وعد من الله أن الإنسان إذا وقع في ضائقة ما، ولكنه لم يستسلم، وتحرك بالإمكانات المتاحة لديه مهما كانت قليلة أو ضعيفة، فإن الله لن يتركه وسيجعل له من هذا الهم فرجا ومن هذا الكرب مخرجا وسيفتح له أبواب اليسر.
الخطوات:
الأولى: قراءتك لهذه الآية ومعرفة معناها، ومعرفة الشرط الموجود في الآية، ومعرفة الوعد.
الثانية: عندما تقع في ضائقة تحرك بالمتاح لديك “لا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها”.، مرحليًا هذا سيمدك بكثير من التفاؤل الداخي، والثبات في خطواتك وسعيك.
الخطوة الثالثة: ملاحظة التغيير الذي سيحصل في حياتك بعد تحقق وعد الله لك بالفرج واليسر.
الخطوة الرابعة: كرر ذلك حتى تترقى في درجات اليقين، التي سنتعرف عليها في العنصر التالي.

درجات اليقين:

الأولى علم اليقين: وهذه الدرجة تعنى علمك بالشيء، وتصديقك به، دون أن تراه.
الثانية عين اليقين: وهي تعني رؤيتك لما صدقت به.
الثالثة حق اليقين: ويعني استمتاعك واستفادتك بما صدقت به.
التطبيق على قوله تعالى: “لا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرًا”:
علم اليقين: هو معرفتك بهذه الآية، ومعرفتك بما يجب عليك، ومعرفة وعد الله لك فيها.
عين اليقين: هو بداية تطبيقك لهذه الآية، وأخذك بالمتاح لديك، وتحركك به.
حق اليقين: هو حصول وعد الله لك ومجيء اليسر بعد العسر.

ثمرات اليقين في الله:

اليقين في الله تعالى له فوائد ظاهرة وباطنة ولا يحصيها رقيم.، ولكن سنذكر بعضها لنثبت أفئدتنا، ونغري قلوبنا باليقين.

أولًا: الإمامة والقيادة: فالإمامة في أمر من أمور الدنيا أو الآخرة، مرهونة بصبرك في طريق السعي، ومرتبطة كذلك بيقينك وإيمانك بالله، وفي ذلك يقول بن القيم: “بالصبر واليقين، تنال الإمامة في الدين”.

ثانيًا: يعين الإنسان على الثبات عند سؤال الملكين ففي الحديث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن المؤمن عندما يسأله الملكان في قبره: ما تقول في هذا الرجل؟” فإن الموقن يقول: ” محمد صلى الله عليه وسلم”.

فانظر إلى كلمة الموقن لنعلم أن الذي سيجيب هو أي شخص.

ثالثًا: اليقين يساعدك على الإقبال على العبادات والطاعات. لأنها كلها مرتبطة بوعود ربانية كبيرة تطمح إليها النفوس، واليقين يهون عليك ذلك.

رابعُا :من تيقن بموعود الله ووعيده، خاف الله، ورجاه وحده لا شريك.

في الختام: ينبغي علينا أن نعرف أن التوكل على الله واليقين  في الله والصبر أخلاق لا تنفك عن بعضها.
فاليقين إذا ملأ القلب، ولكن كان خاليا عن التوكل على الله، فإنه يكون يقينًا ناقصًا.
وكذلك إذا لم يصاحب اليقين صبرٌ  إلى أن يحكم الله بحكمه، فإن ذلك يعتبر يقينًا زائفًا.
نسأل الله أن يملأ قلوبنا باليقين فيه، وأن ييسر لنا أسباب ذلك، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير، وهو حسبنا، فنعم المولى، ونعم النصير.