السيدة نفيسة .. حبيبة المصريين

السيدة نفيسة .. حبيبة المصريين

في أم القرى مكة المكرمة، وفي 11 ربيع الأول سنة 145 هـ، وُلدت السيدة نفيسة/ بنت الحسن / بن زيد / بن الحسن/ بن علي بن أبي طالب، ـ وأمها زينب/ بنت الحسن/ بن الحسن/ بن علي بن أبي طالب.

فبذلك تُـعدّ السيدة نفيسة من الجيل الرابع لنسل الرسولﷺمن ناحية أبيها وأمها، فأكرِم به من نسب.

حياة السيدة نفيسة في المدينة المنورة

انتقل بها أبوها إلى المدينة المنورة وهي في سن الخامسة، حيث ولّاه الخليفة أبو جعفر المنصور العباسي ولاية المدينة، فنشأت نفيسة في جوار جدهاﷺ

وحفِظت القرآن وهي بسن الثامنة، وتلقت العلم في مسجد جدهاﷺعلى يد الإمام مالك بن انس، وقرأت عليه الموطّأ، ونبغت في العلم، ولمّا تزال صبية غريرة، حتى أسموها نفيسة العلم.

وفي شهر رجب سنة 161هـ زوجها أبوها بإبن عمها: إسحق/ بن جعفر الصادق/ بن محمد الباقر/ بن علي زين العابدين/ بن الحسين/  بن علي بن أبي طالب، والذي كان قد تولّى هو الآخر ولاية المدينة المنورة.

فكانت رضي الله عنها إبنةً لأمير وزوجةً لأمير، كما أنها كانت بنت “الأشراف” الذين هم سلالة الحسن بن عليّ، وتزوجت من إبن “السادة” الذين هم سلالة الحسين بن عليّ، وأنجبت القاسم وأم كلثوم.

حياة السيدة نفيسة في مصر

وفي شهر رمضان سنة 193هـ إنتقلت السيدة نفيسة إلى مصر، وكان ذلك في عهد الخليفة هارون الرشيد، ولم تذكر المصادر التاريخية سبب قدومها مع أسرتها إلى مصر، والمشهور أن المصريين لما سمعوا بقدومها، خرجوا فرحين مرحبين لاستقبالها في العريش.

نزلت السيدة نفيسة أول الأمر ضيفةً بمنزل كبير التجار المصريين جمال الدين عبدالله الجصاص، ثم انتقلت إلى بيت أم هانيء، الذي كان محطًا لطلاب العلم، فتكاثر الناس في زيارة السيدة نفيسة وأثقلوا عليها حتى ضاقت بذلك.

فأرادت أن تعود إلى المدينة المنورة، فحزِن المصريون لذلك وتجمهروا عليها يرجونها البقاء، فخرجت إليهم وقالت لهم: “إني كنت قد اعتزمت المقام عندكم، غير أني امرأةٌ ضعيفة، وقد تكاثر الناس حولي، فشغلوني عن أورادي، وجمعَ زادَ معادي، وقد زاد شوقي إلى روضة جدي المصطفىﷺ”

فضجّ الناس لذلك، ما استلزم تدخل والي مصر وقتها: السَّرِيّ بن الحكم، وقال لها: “يا ابنة رسول اللهﷺ، إني كفيلٌ بإزالة ما تشتكين منه” وخصص لها درارا وسيعةً، وأمر بيومين في الأسبوع يزورها الناس فيهما، فرضِيَت وبقِيَت في القاهرة.

وكانت رضي الله عنها عابدةً ناسكةً زاهدة، تقول زينب بنت يحيى المتوج (بنت أخ السيدة نفيسة) : “خدمت عمتي أربعين عاماً، فما رأيتها نامت بليل، ولا أفطرت بنهار إلا في العيدين وأيام التشريق” وقد حجت السيدة نفيسة 30 حجة، وقيل أن أكثر رحلات حجها كانت تسير فيها على قدميها.

الشافعي تلميذ السيدة نفيسة

كان للسيدة نفيسة تلاميذ كثر طلبوا العلم على يدها، وكان منهم الإمام أحمد بن حنبل، والإمام الشافعي الذي وفِد إلى مصر بعد قدوم السيدة نفيسة إليها، وكان يُلقِي دروسه بمسجد الفسطاط، فكان يمر بالسيدة نفيسة ذهاباً وجيئةً، يسألها العلم، ويطلب منها الدعاء له، ويؤمها في صلاة التراويح في شهر رمضان، فكان على ما اشتُهِر عنه من العلم.. تلميذاً للسيدة نفيسة.

وكان الشافعي إذا أقعده المرض عن زيارة السيدة نفيسة، يرسل لها طالباً منها الدعاء فكانت تدعو له بالشفاء، فلما أن كان مرَضُ الشافعي الأخير أرسل إليها يطلب منها الدعاء له بالشفاء، فأجابت رسول الشافعي بقولها: “متّعَه الله بالنظر إلى وجهه الكريم”

ولمّا سُئِلت عن الشافعي قالت: “إنه رجلٌ يُحسِنُ الوضوء” ويُعتقد أن وصفها هذا للشافعي كان ينُمّ عن قصدها وصفَه بالطهارة بشكلٍ عام.

وكانت رضي الله عنها شجاعة لاتهاب الحكام، فلمّا أن ضجَّ المصريون من ظلم أحمد بن طولون، خرجت لملاقاته في موكبه، وأوقفت موكبه وسلمته رسالةً منها مكتوب فيها:

“مَلَكتم فأسرتم، وقدِرتم فقهرتم، وخُوّلتم ففسقتم، و وَرَدَت إليكم الأرزاق فقطعتم، وقد علِمتم أن سهام الأسحارِ نافِذةٌ، لا سيّما من قلوبٍ أوجعتموها، وأكباد جوّعتموها، وأجسادٍ عرّيتموها، فاعملوا ما شئتم فإنّا إلى الله متظلّمون، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ مُنقَلبٍ سينقلبون”

وكانت تقصِد بسهام الأسحار: مناجاة قُوّام الليل ربَّهم بالأسحار، المذكورون في الآية: “وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ”      (18 الذاريات)

وقد غالَى المصريون في الكلام عن عِظَم قدرها مغالاةً غير حميدة، يقول شمس الدين الذهبي في كتابِه سِيَر أعلام النبلاء: “ولجَهَلِةِ المصريين فيها إعتقادٌ يجاوز الوصف، ولايجوز لما فيه من الشرك، ويسجدون لها، ويلتمسون منها المغفرة، وكان ذلك من دسائس دعاة العُبيدية”

يعني بذلك ما يفعله بعض الجهلاء عند قبرها، ويعني بالعُبيدية: الفاطميين الشيعة.

وفاة السيدة نفيسة

 السيدة نفيسة
مقام السيدة نفيسة

وفي رجب سنة 208هـ مرضت السيدة نفيسة مرضًا شديدًا، فأحضروا لها الطبيب، فنصحها بأن تُفطِر، فقالت: “إن لي ثلاثين سنةً وأنا أدعو الله أن يتوفاني وأنا صائمة، أفأُفــطِر؟”

ولما أحسّت بدنوّ أجَلها حفرت قبرها في صحن بيتها، وكانت تنزل فيه وتقرأ القرآن وتبكي.

وبينما كانت تتلو من سورة الأنعام، حتى بلَغَت الآية: “لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَـٰمِ عِندَ رَبِّهِمْ ۖ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ” فاضت روحها الطاهرة إلى بارئها.

دُفنت السيدة نفيسة في مسجدها الكائن الآن بدرب السباع بالقاهرة، ويذكر المقريزي في خططه: “أن أول مَن بنَى على قبرها كان عبيد الله بن السري والي مصر العباسي، ثم جدد الفاطميون ضريحها في عهد الخليفة المستنصر بالله، ثم في عهد الخديوي عباس الأول، ثم في سنة 2023م

رضِي الله عن السيدة نفيسة، وأسكنها الفردوس الأعلى من الجنة.